أورهان كمال جنكيز
لا أريد أن ينزعج إخواننا المنتسبون إلى جماعة الخدمة، لكن من الواضح أن بعض الأخطاء التي ارتكبوها في الماضي، باتت اليوم سببا في عدم النظر إليهم من قبل بعض الأوساط على أنهم مظلومين، على الرغم من كل المصائب التي تنهال على رؤوسهم.
والأخطر من ذلك هو أن”الحساسية” إزاء جماعة الخدمة لدى بعض الأوساط ، تشكل اليوم حائلا لدى أصحاب هذه الحساسية أمام إدراكهم بأن ما يسمى اليوم بـ “الكيان الموازي” هو أهم وسيلة لقمع الحريات وإقامة نظام فاشي في تركيا.
اعتقد أن جزءًا من هذه الأخطاء تتطلب قيام الجماعة بعملية نقد ذاتي جاد في داخلها لتغيير القناعة تجاههم عند الناس في خارجها.
فعلى سبيل المثال، دعم وسائل الإعلام المحسوبة على الجماعة اعتقال أعضاء اتحاد المجتمعات الكردستانية (KCK)، واستمرارها في دعمها ولعدم انتقالها إلى مستوى النقد، حتى عندما وصل الأمر إلى اعتقال الأكاديمية بشرى أرسانلي والناشط الحقوقي راغب زاراكولو.
أضف إلى ذلك عدم تفريق وسائل إعلام الجماعة بين الممارسات المحقة في دعاوي تنظيم أرجنيكون الانقلابي، وبين الممارسات التي وصلت إلى حد الجرائم الفكرية في اعتقال الكاتبين أحمد شيق ونديم شنَر، بعد فترة، وهو ما يعتبر تغاضيًا بالكامل عن انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها هذه الدعاوي.
هذا فضلًا عن الانطباع الذي يتركه المنتسبون إلى جماعة الخدمة بأنهم يتعاملون مع أتباع الجماعات الدينية الأخرى بجفاء في الأماكن التي يتواجدون بها، وأنهم لا يعترفون بـ”حق الحياة” لأي أحد من غيرهم في الأماكن التي لهم الأغلبية فيها.
الصولجان السحري
إن جميع هذه النقاط المذكورة، وكذلك الأشياء الأخرى التي تخلق حساسية لدى البعض إزاء الجماعة، تتسبب في التغاضي عن الخطوات التي تقدم عليها الحكومة لتأسيس نظام استبدادي في تركيا، أو انتقادها انتقادا ضعيفًا مقارنة لما يُتوقع في مثل هذه الأوضاع في وقت آخر.
وبسبب تلك الحساسية، تستطيع الحكومة استخدام مقولة “الكيان الموازي” التي ابتدعتها في كل شيء كأنها صولجان سحري يمكن الاستفادة منها في تحقيق المستحيلات؛ إذ إن هذا الصولجان بامكانه خلق الرضا، والقضاء على المخاوف، وإنهاء النقاشات.
إن الحكومة التركية اليوم تستطيع أن تحمّل على عاتق هذا “الكيان الموازي” مسؤولية جميع الأحداث العاصفة التي تمرّ بها البلاد بدءًا من تظاهرات متنزه “جَيزي بارك” وانتهاءً بالأحداث الأخيرة التي قام بها الأكراد انتقادًا لسياسة حزب العدالة والتنمية إزاء سقوط مدينة كوباني (عين العرب) السورية بيد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش).
كما تستغل الحكومة هذه الذريعة لتنفيذ عملية تصفية واسعة النطاق بحق موظفي الدولة. إضافة إلى فرض رقابة ضريبية صارمة على الصحف والشركات والأفراد الذين يزعجونها بانتقاداتهم. هذا فضلًا عن إمكانية التستر على جميع أعمال الفساد التي قد تجعل الحكومة تُسأل عنها، بما في ذلك فضيحة الفساد والرشوة الأخيرة.
سيُدهش الجميع
تستطيع الحكومة التركية، بسهولة تامة وبشكل يدهش جميع من يؤمن بأقل قدر من الحرية في الظروف العادية، تطبيق إجراءات مريبة مثل التعديلات على قانون جهاز الاستخبارات ومحاكم الصلح والجزاء.
وتنجح حكومة حزب العدالة والتنمية، أثناء قيامه بكل هذه الإجراءات، أن تحصل على دعم حتى من بعض الشخصيات التي كانوا يدافعون عن الديمقراطية في وقت من الأوقات، بما في ذلك طائفة من الليبراليين.
كما تستطيع أيضًا توجيه الاتهام الذي تريد للشخص الذي تريد كما يحلو لها. كما تتحول المحكمة العليا إلى طائفة من “الحشاشين” بين ليلة وضحاها بسبب رفضها طلب أردوغان بعدم السماح لرئيس نقابة المحامين، لإلقاء الكلمة في افتتاحها ويصير أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الذين لم ينضموا لداعمي الحكومة، من أذناب “الكيان الموازي”، ويستهدفهم الإعلام الموالي للحكومة.
إن تركيا اليوم تسعى لتغيير نظام الحكم من خلال استخدام الصولجان السحري الذي يطلق عليه “الكيان الموازي”… وهي تتقدم بخطى سريعة للغاية نحو الأيام التي سيعلَن فيها كل من يعارض الحكومة أنه منتمي”الكيان الموازي”وأنه”حشاش” وأنه “عضو بجماعة الخدمة”، وسيصبح هذا “الكيان الموازي” كلمة السر لوأد الحريات في تركيا…
صحيفة “بوجون” التركية