أوغور كومتش أوغلو
لم تعد هناك قوة تذكر للعدالة والتنمية في شرق وجنوب شرق الأناضول بعد انتخابات 7 يونيو/ حزيران علماً بأنه كان يحصل على أصوات القوميين الأكراد أكثر من حزب الشعوب الديمقراطي مع أنه حزب كردي.
لكن لماذا؟
قبل كل شيء، علينا أن نعلم أن المشاكل المتجذرة تاريخيًّا لا يمكن أن تُحل بالاستثمارات الانتخابية فقط. فقد مضت 6 سنوات على إطلاق مشروع الانفتاح الكردي، لكن لم نرَ خلال هذه المرحلة تطوّراً ملموساً في تطبيق سياسات الحل عملياً على أرض الواقع، مثل اللامركزية والأغلبية والتعدد الثقافي والتعدد اللغوي في التعليم وإعداد كادر معلمين يجيدون اللغتين التركية والكردية على حد سواء.
وباختصار فإن المشكلة الكردية في يد ثلة قليلة من المقربين إلى أردوغان. وقد راحت ضحية للسياسات الهوجاء التي اتبعها العدالة والتنمية. وظن العدالة والتنمية أن بإمكانه قيادة مسيرة السلام من خلال أردوغان وأجلان فقط مستبعدا القاعدة الشعبية الكردية. وفكر في استخدام قضية” حبس أوجلان” كورقة للمساومة، فانتهج سياسة خاطئة تماما وغير ممكنة أبدا.
سبب هذه السياسة العمياء هو الثقة غير المنطقية والمفرطة بالنفس الناجمة عن الغرور والتسمّم بالقوة. وثمة سبب ثانٍ وهو أن العدالة والتنمية يحاول دوماً استخدام أوجلان وكأنه مجرد أداة، وذلك نابع من العقلية المخابراتية القديمة التي تقود العدالة والتنمية. والغريب في الأمر أن هذه العقلية مكنت أوجلان من التغلب على أحجار العدالة والتنمية في رقعة الشطرنج.
ولاشكّ في أن اختزال المشكلة الكردية في أردوغان وأوجلان فقط يؤدي إلى إبعاد تركيا عن الديمقراطية واقتراب النظام التركي من حكم الرجل الواحد كما هو الحال في البلدان المستبدة. وسبب هذه الإخفاقات هو هيمنة الاستعباد والنخبوية وحكم الفرد على السياسة. وحتى السياسة الكردية لم تبرز أوجلان على الساحة كما فعل الناطقون باسم العدالة والتنمية.
من جانب آخر، لم ينسَ الأكراد استخدام الحكومة التركية لداعش كورقة ضغط عليهم خصوصاً في مسألة كوباني. وكان تصريح أردوغان “لا توجد مشكلة كردية” انتحاراً سياسياً. كما ينبغي التذكير بأنه في عهد هذه الحكومة لم يُؤبه بمجزرة روبوسكي التي راح ضحيتها أكثر من 34 كردياً عقب القصف الخاطئ للمقاتلات التركية. إضافة إلى أن تصريحات نائب رئيس الوزراء “إذا لم يكن العدالة والتنمية في السلطة في 8 يونيو، فاقرؤوا الفاتحة على روح مسيرة السلام” كانت بمثابة مقامرة سياسية. إن مسؤولي العدالة والتنمية بمثل هذه المواقف والتصريحات أثبتوا أن ديدنهم وهمّهم منصبّ على حسابات مغايرة لمطالب الأكراد بالمواطنة العادلة.
نعم، إن البعد عن الصدق والغرق في النفاق السياسي أفقدهم الأصوات الانتخابية في المنطقة. حيث إنهم اتبعوا سياسة تهديدية ابتزازية، ولسانُ حالهم يقول: “إذا لم نكن في السلطة فذلك يعني الدمار بالنسبة لكم”. وهذه السياسة لا مكان لها في قلوب الناس. وحتى المحافظين من الأكراد لم يأبهوا بتلك التهديدات. فالتهديد السياسي يأتي بنتائج عكسية دائما. فهم لم يكترثوا بتطلعات الشارع الكردي، وفكروا في الاتفاق مع الزعيم الكردي أوجلان، دون أن يلقوا بالا للقاعدة الشعبية الكردية، وكأنهم يريدون أن يضعوهم تحت الأمر الواقع بطريقة استبدادية، ظانين أن هذه الطريقة قد تأتي بنتيجة وأن الأكراد سينقادون وراء أوامر ومطالب أوجلان.
وفوق ذلك كانت أذهانهم مشوشة بممارسات الحكومات السابقة، وحاولوا تطبيق استراتيجيات التسعينيات بأسلوب مغاير. ولم تكن عقليتهم تختلف عن عقلية أولئك الذين حاولوا استمالة زعماء العشائر الأكراد. وقد أعميت أبصارهم إلى درجة أنهم ما عادوا يرون الشوط الذي قطعته السياسة الكردية. وظنوا أنهم أقنعوا أوجلان بهذه المساومة. ولكونهم لا يستطيعون الآن انتقاد أوجلان يحاولون تصوير الأكراد وساستهم على أنهم لم يستمعوا لأوجلان. وهذه استراتيجية خاطئة أيضاً.
وقد تفوق صلاح الدين دميرتاش وحزب الشعوب الديمقراطي على أردوغان وحزب العدالة والتنمية. لأنه بنى علاقة أكثر ودية مع الشعب وتجنب سياسة الحاكم الفردي. ويفكر بعض مسؤولي العدالة والتنمية الآن بأنه في استطاعتهم تسويق “تجنّب الشعوب الديمقراطي من الانحسار في سياسات الزعيم أوجلان” باعتباره خيانة لأوجلان، على حد زعمهم.
وطبعا هناك أسباب مباشرة في غياب شعبية العدالة والتنمية. ومن ذلك قول أردوغان: “ليس من الصواب أن نكون في الإطار نفسه مع هؤلاء” وذلك تعليقا على لقاء وفد من الحكومة مع وفد من حزب الشعوب الديمقراطي في قصر دولمابهشه وظهورهم معا في صورة فوتوغرافية. فضلاً عن التلميحات الخارجة على الإطار الأخلاقي التي استخدمها أردوغان بحقّ المواطنات الكرديات جراء احتجاجهنّ ضده بإدارة ظهورهنّ إليه في الحملة الانتخابية بمدينة إغدير ووصفه لهنّ بـ”قليلات الأدب”، حيث دفع المحافظين الأكراد إلى التخلي عن العدالة والتنمية لأن الشرف بالنسبة لهم فوق كل اعتبار.
إن هذه السياسة التي لا يمكن تلافيها خاطئة، ومن يظن أنها سبب صغير فإنه غافل عن السمات الاجتماعية للمنطقة.