هل تسير تركيا نحو التدين؟ سؤال اكتسب الأهمية سنة 2002 حين تسلم حزب العدالة والتنمية زمام الحكم في تركيا، وقد ركز سياساته على محور التدين خصوصًا في السنوات الأخيرة، والنتيجة واضحة، ألا وهي: أن كثيرًا من القيم الإسلامية بدأت بالاندثار في حين تناقص توظيف الدين في الحياة اليومية مقارنةً مع الماضي.
إن مناقشة موضوع تدين تركيا من عدمه من أكثر النقاشات التي خاضها المثقفون والساسة وعلماء الاجتماع والباحثون دون التوصل إلى نتيجة توافقية منذ تولى حزب العدالة والتنمية سدة الحكم في تركيا، وكانت النخبة المثقفة، التي تحمل الفكر العلماني والكمالي والتي لم تعر اهتمامًا لمن قال إن حقبة 28 فبراير/ شباط ستستمر ألف سنة، هي التي طرحت ذلك النقاش للرأي العام.
كان هؤلاء يرون أن تركيا تسرع إلى أن تصبح دولة محافظة، وكان على صنَّاع القرار العميق أن يتحركوا على الفور، ولذلك تمسكوا بمصطلح المؤرخ شريف ماردين الذي رأى أن ذلك عبارة عن ضغط الشارع العام.
وكانت النخبة العلمانية الكمالية تستخدم كلما دعت الحاجة مصطلحات مثل (تركيا تتدين) لتحقيق آمالهم في استمرار الحكم الاستبدادي، لكن الأمر اختلف في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، وقد كانت تقدم الصورة على أنها نجاح ناتج عن بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، وقد دعا الحزب ناخبيه إلى وجوب الاستمرار في دعم الحزب لأنه يشق طريقًا نحو التدين ولأن تركيا تصبح متدينة في ظله، وعمل إداريو الحزب ولا سيما أردوغان على تضخيم هذا الرأي في أوساط الرأي العام، لكن هل كان ذلك الادعاء محقًّا؟ وهل كان المجتمع التركي يتدين حقًا؟
لقد أثبتت الأبحاث أن نسبة التدين لم تزد عما كانت عليه بين عامي 1980 و1990 بل على العكس لوحظ ميل المتدينين إلى العلمانية، ومهما ادعى حزب العدالة والتنمية أنه متدين ومحافظ إلا أن سياساته التي ينتهجها لا تنسجم مطلقًا مع هذا الادعاء، فهذا الحزب يدعي الدفاع عن القيم المحافظة والتاريخية والثقافية والتقليدية من خلال هويته الثقافية المدنية، إلا أن تصرفاته في الحقيقة ألحقت الضرر بتلك القيم كلها.
وحسب الرغبة العامة فإن الإبقاء على روح التوجه المحافظ القائم، يكمن في تطبيقه تلقائيًا على أرض الواقع حتى وإن طرأ عليه تغيير، لكن أغلب التغييرات التي حدثت في تركيا خلال الاثني عشر عاما الماضية جرت على يد الدولة ووُصفت بأنها “انقلاب صامت”، فقد تم تخريب نسيج المدن والأرياف بسبب السياسات العمرانية الخاطئة، وتعاقبت الحلول المتسلسلة.
ما هو طراز مدينة المسلم؟
كان من الواجب عدم المساس بالبنية الطبيعية والتاريخية للمدينة بسوء في أثناء الإعمار الجديد، لكن حزب العدالة والتنمية لم يعر أي اهتمام لذلك، حيث جعل المدن الكبرى بخاصة عبارة عن كتل من الإسمنت، ولذلك ابتعدت عن هويتها التاريخية الثقافية، وانتشرت المباني في الأماكن التي لا تصلح للبناء.
ويقول عالم الاجتماع على بولاج ما يلي: “علينا أن نسأل أنفسنا هل هذا هو طراز المدينة لدى المسلمين؟ وهل اسطنبول التي في مخيلتنا الحضارية هي اسطنبول اليوم التي تكبر عشوائيًا وصناعيًا؟ بالطبع لا، إذ يجب تصغير المدن وحماية البيئة، وإذا كانت اسطنبول تكبر على هذا النحو فإن السبب في ذلك هو المكاسب العالية الناتجة عن الاستثمارات، وليس هناك أي استثمار يسهل حياة الناس، بل على العكس فإن الاستثمارات تزيد من صعوبة الحياة التي تكاد لا تطاق”.
ويرى الكاتب الصحفي طه أكيول أن الحزب الحاكم يلغي وجود التوجه المحافظ بواسطة الاستثمارات في قطاع الإنشاءات، ويعبر عن رأيه قائلا: ” الحكومة المحافظة ترى في بناء جامع من الإسمنت المسلح يضاهي جامعي السليمانية والسلطان أحمد الأثريَّينِ عدمَ احترام للتاريخ وتمتنع عن بنائه، فبناء جامع من الإسمنت المسلح في تشامليجا ليضاهي جامع السلطان أحمد مجرد تفاخر وليس ثقافة محافظة، فما الذي يفعله المحافظون؟ إنهم يدركون قيمة المعمار سنان، ويمكن أن يقدموا طرزًا حديثةً بالاستلهام من آثاره، وهم ليسوا ضد الطرز الحديثة، لكنْ محافظي اليوم لا يتوانون عن تخريب المشهد التاريخي لإسطنبول، وبناء ناطحات السحاب التي تحجب آثار المعمار سنان”.
إن هذه الأخطاء أثرت في الأرياف أيضًا، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تعر المجمعات السكنية التي تنفذها هيئة المجتمعات العمرانية التركية (TOKİ) أي اهتمام للنسيج العمراني في المدن، فقد انتشرت مباني الإسمنت المسلح في شرق البحر الأسود الذي تسوده المباني الخشبية منذ مئات السنين، كما انتشرت في جنوب شرق الأناضول حيث تسود الأبنية الحجرية الأثرية، وكان الأجدى الاستفادة من المواد الأولية في المنطقة لإقامة مساكن تنسجم مع النسيج التاريخي بدلاً من إقامة مبان من عشر طوابق أو 12 طابقًا، هذا الطراز من المباني العالية يعد من أوائل الأمثلة على تخريب المشهد الثقافي الموروث من العصر العثماني، وقد وصل إلى أقاصي الأناضول، فامتلاك كل مواطن للسكن ، بمعنى إقامة المباني العالية، هو عبارة عن تأمين الأرباح للمقاولين الذين يدعمون حزب العدالة والتنمية، ولم يفكروا بالأضرار الاجتماعية التي لحقت بالأناضول نتيجة ذلك، حيث اختفى مفهوم الأحياء من الوجود، وضعفت علاقات الجوار، ولذلك غابت القيم المشتركة بين الناس، وبدأت هذه الأخطاء بالازدياد في الأرياف أيضًا كما في المدن، ولم تعد القرية قريةً، ولا المدينة مدينةً.
انتشار العائلات الصغرى قضى على وجود كبار السن في البيوت
من جانب آخر تآكلت العائلات الكبرى وتحولت إلى عائلات صغيرة، مع أن الجيل الجديد كان يتلقَّى القيم عن طريق الأجداد والجدات، وكبار السن هم أكثر المتضررين من هذه التغييرات السلبية، وحين ننظر إلى الإحصائيات سنرى هذه الفاجعة:
تضاعف عدد المسنين القاطنين في دور المسنين بنسبة 100% تقريبًا خلال 10 سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية، حيث كان عددهم 13548 مسنًا سنة 2002، ارتفع هذا العدد إلى 20596 مسنًا في سنة 2012.
والصواب أنه يجب أن يكون الهدف هو جعل الهجرات تتدفَّق من المدينة إلى الريف وليس العكس وذلك عن طريق تأمين مجالات العمل في الريف، فالإنسان في هذه المنطقة يأمل في عمل يتوافق مع الإمكانيات التي يوفرها محيطه، صحيح أنه تم تشييد المباني المكونة من عشرات الطوابق في إسطنبول لكن لا تزال هناك قرى في الأناضول بلا ماء وبلا كهرباء.
وقد تحول الكثير من القطاعات إلى العمل في قطاع البناء لدوافع بزعم أن له صلة واسهامات في قطاعات شتى، فقد أُهملت الزراعة والصناعة، وأصبح كثير من الناس مدينين للبنوك بسبب القروض لشراء البيوت، واضطروا إلى الهجرة إلى المدن، فيالها من مهزلة!
لقد قال أردوغان حينما كان رئيسًا لبلدية إسطنبول إنه يطالب بتأشيرة ممن يريد المجيء إلى اسطنبول، فقد كان يرى أن اسطنبول تسير نحو الهاوية منذ ذلك الوقت، أما اليوم فإن مشروع شمال اسطنبول يناقض تمامًا ما كان يفكر فيه سابقًا.
وإن كان القطاع الاقتصادي شهد شيئًا من التطور النسبي بعد سنة 2002 إلا أن محدودي الدخل لم يستفيدوا من ذلك نهائيًا، وأفلس التجار الصغار، بحيث جعلت سياساتُ النمو المواطنَ مستهلكًا لا منتجًا، ولعبت مراكز التسوق (المولات التجارية) المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد الدورَ الرئيسي في هذه الشبكة المعقدة، فقد كان هناك 62 مركز تسوق في سنة 2002 ووصل هذا العدد إلى 310 سنة 2012، منها 93 في إسطنبول، فمركز التسوق (متروبول) هو الأول في أوروبا وأحد أكبر خمس مراكز في العالم. وهذه المراكز التي أثرت في 57 مجالا من مجالات العمل المختلفة قد ألحقت أضرارًا فادحة بالتجار الصغار الموجودين في الأماكن التي افتُتحت فيها هذه المراكز، زأفاد اتحاد التجار والحرفيين أن 1145641 تاجرًا أغلقوا محالهم بين عامي 2005و2013.
وذكر علي بولاج أن سياسة حزب العدالة والتنمية تقوم على المنافع الشخصية والرشوة والفساد قائلا: “إذا كان النمو موجودًا في أساس السياسات الاقتصادية، وإذا كانت الدولة تنمو باستمرار فلا بد من ازدياد القوة الاستهلاكية لدى الناس، وبالتالي ستزداد القوة الإنتاجية، ما يؤدي إلى النمو، بيد أننا نعلم أن الأنظمة المتبعة لا تسير على هذا النهج، فتحقيق النمو لا يوجب التحسن في الاقتصادي الحقيقي بل يزيد من القروض عبر بطاقات الائتمان حيث أصبح ملايين الناس مرتبطين بالبنوك، فهل هذه سياسة حزب متدين ومحافظ؟ فالنمو في هذه الأيام عبارة عن مشاريع، فكلما ازدات المشاريع ازدات الأرباح الشخصية والرشاوي وازداد الفساد. وعلينا أولاً التخلص من داء النمو”.
لم تعد هناك قناعة!
لقد غابت القناعة عن حياة الناس، فلا بد من الربح الزائد من أجل المزيد من الاستهلاك، وأصبح الناس يلهثون خلف الشقق والسيارات والمناصب والمظاهر، فقد كانت المظاهر من الأمور المشينة في السابق، واليوم أصبحت من الأمور التي لا يُستغنى عنها، وأصبح الذين يعانون شظف العيش غارقين في مستنقع الديون، وكان عدد الذين لم يتمكنوا من الوفاء بديون بطاقات الائتمان عام 2003 يصل إلى 5781 شخصًا، وأصبح العدد 912839 شخصًا في نهاية عام 2013، وتجاوز هذا العدد 532 ألف شخص بحلول عام 2014، في حين أن أفراد العائلات المحافظة المعروفة ببساطة العيش أصبحوا في مقدمة المتنافسين على مظاهر الأُبَّهة، وهؤلاء الذين وصلوا فجأة إلى الثراء وامتلكوا رؤوس الأموال فقدوا قيمهم الأخلاقية.
أما العائلات التي اضطرت للهجرة إلى المدن الكبرى فقد بدأ نساؤها أيضًا بالعمل، وارتفع عدد النساء العاملات اللاتي حصلن على التأمينات من مليون و47 ألفاً عام 2002 إلى 3 ملايين و181 ألفاً عام 2013. وتشغيل السيدات تسبب في مشاكل كثيرة لعدم توافر الأرضية الاجتماعية المهيأة لهن، وقد عانت العائلات المهاجرة إلى المدينة من الصدمة الثقافية.
وكما قال طه أكيول: “لم تتثبت دعائم المعاملات والقيم المدنية في تركيا إلى الآن، في حين أن القيم التقليدية فقدت تأثيرها في ظل الهجرة إلى المدينة، وهذا الفساد ناتج عن تأثير العيش في المدينة، والجانب الذي يستحق النقد في هذه الحكومة هو سلوكها في التعبير عن القيم المحافظة عبر خطابها السياسي مع الأسف، علمًا بأنه يجب على الحكومة التعبير عن القيم المحافظة والدفاع عنها وطرحها بواسطة مفاهيمها الخاصة، ولكن الحكومة تستخدم القيم المحافظة في صراعها السياسي كدرع وسيف لها”.
والانقطاع عن القيم من خلال الهجرة إلى المدينة، وازدياد الاستهلاك والمنافسة والجشع والمشاكل الاقتصادية التي لا يمكن تفاديها، كل هذه العوامل شتَّت العائلات، حيث وصلت نسبة الطلاق إلى ذروتها، فقد وصل عدد حالات الطلاق عام 2002 إلى 95323، وارتفع هذا العدد إلى 125305 في عام 2013، وازدادت جرائم قتل النساء علنًا.
وبحسب الإحصاءات التي قامت بها وزارة العدل، ففي عام ، 202 قُتل 66 امرأة وارتفع هذا العدد إلى 953 عام 2009 بزيادةٍ مخيفة نسبتُها 1400% وقد وصل هذا العدد بين عامي 2009و2013 إلى 1611. وقد تحول الأطفال إلى آلة إجرامية بسبب التفكك الأسري. حيث بلغ عدد الأطفال الذين رُفعت عليهم دعاوي قضائية 5371 في حين وصل هذا العدد سنة 2012 إلى 54934، وارتفع ارتفعت نسبة المتعالجين من الإدمان على المخدرات خلال 10 سنوات إلى 17 ضعفا، وتنوعت جرائم الأطفال حتى إنها شملت القتل.
ولم يتبع حزب العدالة والتنمية نهج تقليص الفارق بين الأغنياء والفقراء، بل سخَّر هذه الظاهرة لمنفعته مع الأسف، كما استغل العائلات الفقيرة عبر مساعدات بسيطة كالمكرونة والفحم.
وأبدى بولاج ملاحظات مهمة في هذا الإطار حين قال: “إن هذا الحزب يقدم المساعدات العينية والمالية لملايين البشر، وهذا ما يبدو عملاً خيريًا للوهلة الأولى، لكن في الحقيقة هذه الإعانات تجعل الناس غير منتجين. وهذا ما يجعل ملايين العاملين في السوق الحرة تحت خط الفقر مدى الحياة بدلاً من تقويتهم وجعلهم منتجين أمام أصحاب رؤوس الأموال الذين يستغلون جهودهم، وهذا كله ليس في صالح المجتمع من الناحية الاقتصادية ولكنه يجلب المكاسب من الناحية السياسية، في حين أن ملايين الناس الذين اعتادوا على المعونات أصبحوا منتخِبين لحزب العدالة والتنمية ومرتبطين به، والصواب هو أن يُمنحَ الفقير الضعيف صنارةً ويُعلَّم الصيد ليصطاد كما يشاء لا أن يُعطى كل يوم سمكةً طيلة أربع سنوات ليتمَّ توجيهه أخيرًا إلى صناديق الاقتراع”.
تضاعف نسبة الانتحار
في سنة 2002 بلغ عد حوادث الانتحار 2300، أما في سنة 2013 فقد وصل هذا العدد إلى 3189. والسبب الرئيسي لذلك حسب تقارير منظمة الإحصاء التركية هو الأزمة الاقتصادية. كما ازدادت الأمراض النفسية. حيث أعرب وزير الصحة محمد مؤذن أوغلو أن استهلاك أدوية الاكتئاب قد ازدادت بنسبة 54% في السنوات الخمس الأخيرة، كما ازداد الإقبال على تناول الكحوليات، حيث تم استهلاك 583 مليون لتر من المشروبات الكحولية عام 2001، أما في عام 2012 فقد تم استهلاك ما يزيد على ملياري لتر منها، وكان البدء في تناول الخمر والمخدرات في سن 15-16 عام 2002 أما اليوم فقد أصبح يبدأ في سن 10-11، وقد ارتفعت نسبة جرائم العنف والتحرُّش والاعتداء إلى 14 ضعفا خلال 10 سنوات، وقد أجرت منظمة التنمية الاقتصادية بحثًا حول 36 دولة صناعية توصلت من خلاله إلى أن تركيا هي أسوأ دولة من حيث سرور مواطنيها حسب 11 معيارًا.
وقد بين هاكان يلماز عضو هيئة التدريس بجامعة بوغازجي في استطلاعه حول التوجه المحافظ بين عامي 2006-2012 أن الشعور الديني قد قلَّ كثيرًا، فنسبة الذين يصلُّون الصلوات الخمس 5.3%، والذين يدعون التديُّن قل عددهم بنسبة 7%، كما قل عدد الذين يصومون رمضان بنسبة 7.3%. وحسب البحث الذي أجراه الباحثان (شيهرازاده رهمان) و(حسين عسكري) حول نسبة التديُّن في 208 دول فإن تركيا ليست موجودة حتى ضمن الدول المئة الأولى. حيث كان مركز تركيا هو 103 في التقرير الذي راعى أمور الربا (الفائدة)، وانتشار الرشوة، والضرائب، وعدم استقلالية القضاء، والحقوق المدنية والسياسية، والمساعدات الاجتماعية.
ومن جانبها ترى الكاتبة الصحفية (نازلي إليجاق) أن الدولة ليست من حقها أن تمتلك مشروعاً لتنشئة أجيال متدينة إذ تقول: “لا يمكن أن تكون للدولة سياسة تقوم على زيادة التدين، فذلك يخالف العلمانية، صحيح أن المتدينين حصلوا على شيء من الحرية، لكن لا يمكننا أن نقول إن الناس أصبحوا أكثر تديناً، لأن التدين لا يتحقق عن طريق التلقين الخارجي، فلو نظرنا إلى شخص ما عن بعد لربما رأيناه يصلي ويصوم، ولكن علينا أن ننظر إلى داخله أيضًا، فلو كان المرء سيئ الأخلاق ويأكل أموال الناس بالباطل ويكذب ويقوم بالفرائض الشكلية لا يمكن أن أقول إنه متدين مخلص، فإن للتدين بُعدًا أخلاقيًا”.
إن خسرنا نحن فأنتم أيضًا ستخسرون
نحن في مواجهة تركيا التي ابتعدت عن السعادة واهتمت بالمظاهر والقوة والمال، ولا يزال صنَّاع الانحلال يُسيِّرون برنامجهم السياسي وخطاباتهم عن طريق الدين، وينتقدون من لا ينتخبهم بأدلة ذات مرجعية دينية، فيتهمون أنصار حزب الحركة القومية بأنهم لا يعرفون الفاتحة، ويتهمون حزب الشعب الجمهوري بحجة أنهم أساءوا إلى النساء المحجبات، حتى أن نائب رئيس الوزراء بولنت أرنتش ادعى أن حزب العدالة والتنمية يرى نفسه ضمانًا للمتدينين قال: “إننا إن خسرنا الانتخابات فأنتم أيضًا ستخسرون” (كلامه هذا كان موجهاً لحركة الخدمة) .
في حين أن أحداث 17-25 كانون الأول/ ديسمبر 2013 خفضت كثيرًا من أسهم التدين لدى حزب العدالة والتنمية الذي أصبحت حكومته المتدينة المحافظة تُتَّهم بأكبر قضية فساد في تاريخها، حيث ألقي القبض على الذين نفذوا التحقيقات دون أدنى اكتراث بالحقوق بدلاً عن أن يتم التحقيق في هذه الادعاءات.
وهناك الكثير من براءات الذمة مُنحت للمفسدين الحقيقيين الذين استندوا إليها، لكن هذه البراءات لا تمنح للأشخاص الذين يُعدُّون أعداء للحزب الحاكم، وقد اختفت قاعدة أن عقوبة الجريمة مقتصرة على الأشخاص الذين ارتكبوها، وتحزَّب الناس في المجتمع حسب فهمهم للمعيار الديني، ويضاف إلى ذلك أيضًا المعيار العرقي، ولم يُوجَّه من هذا الحزب أدنى انتقاد للوزير السابق أيجامان باغيش الذي قلل الاحترام في ذكر اسم سورة البقرة بقوله “بقرة مقرة”. في حين أن (لطفي ترك قان) عضو البرلمان عن حزب الحركة القومية لخص كل شيء في تغريدةٍ له على تويتر حين قال: “لو أن باغش استهزأ بأردوغان بدلاً من القرآن لما كان بينكم الآن”.
وعلق على بولاج على هذه الحالة الغريبة بقوله: “إذا لم يتم التعامل على أساس الأحكام الدينية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذا لم تُتَّخذ الأحكام الدينية مرجعًا في الحياة فإن الدين سيغيب عن هذه الحياة، ولن يبقَ منه إلا بعض الطقوس والرموز، وبالتالي سيكون دينًا مفرَّغًا من محتواه. وينبغي ألا يُفهم من الأحكام الدينية التي أتينا على ذكرها أنها عبارة عن العقوبات كقطع اليد بل هي حياة ذات أخلاق سامية وسياسات اقتصادية واجتماعية. فالرسالة الأولى للدين هي الأخلاق والحرية والعدالة. يظهر الناس وكأنهم متدينون في الأماكن التي تنعدم فيه الأخلاق والعدالة. فيعفون اللحى وتتحجب النساء، ويصلون ويصومون، ولكن لا يمكن تطبيق العدالة في المجتمع، وتتَّسع المدن بشكل أجوف، فتخرب الطبيعة؛ وتستمر المظالم في تقاسم الدخل، ويُهمل النظر في أمور الفقر والعوز”.
إن الكاتب الصحفي علي أونال من بين الذين يرون أن الانحطاط الأخلاقي قد ازداد في ظل الحزب الحاكم منذ 12 عاما حيث قال: “إن أكبر انحطاط أخلاقي جرى منذ عام 1950 جرى في هذا العهد، فكل ما رأيته من سلوك الناس في الشوارع، والتغيُّرات الهائلة التي طرأت على العائلات المسلمة في اللباس والتصرفات والعبادات يدل على فساد المتدينين لا التدين. وخير دليل على ابتعاد تركيا عن التدين مع الأسف هو أننا عندما نذهب إلى السوق لا يمكننا التسوُّق دون أن نخشى من محاولات الغش. أي لا يمكننا أن ندعي انتشار التدين”.
سلمى طاطلي – مجلة آكسيون