برلين (زمان التركية) – وجه أرطغرل جوناي، وزير الثقافة التركي في إحدى حكومات رجب طيب أردوغان السابقة، رسالة إلى الأخير، تُذكّر بأحداث الحاضر المؤلمة، سبق أن بعثها فوزي لطفي قره عثمان أوغلو، أحد مؤسسي الحزب الديموقراطي، وأحد الوزراء السابقين، إلى رئيس جمهورية تلك الفترة في 16 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1955.
وفيما يلي النص الكامل للمقال الذي كتبه الوزير السابق أرطغرول جوناي الذي ينحدر من أصول ليبرالية وفصل طريقه مع أردوغان في أعقاب ظهور فضائح الفساد والرشوة في نهاية عام 2013 لموقع “أحوال تركيا”:
رسالة من الماضي للرئيس التركي تُذكّر بأحداث الحاضر المؤلمة!
سيدي الرئيس أرجو ألا تفهموا كلماتي بشكل خاطئ. أكتب إليك رسالتي هذه بوصفي إنسانًا تعوَّد أن يُعمل عقله وفق مبادئ مؤسساتية…
سيدي الرئيس،
لم يعد النظام القائم في مأمن. لم يعد في مأمن لأنه أضحى نظامًا ديكتاتوريًا؛ فلا مكان للمراقبة، ولا ذكر للشورى، أصبح برنامج حزبنا يسير في اتجاه، أما التطبيق الفعلي فهو في اتجاه مختلف تماماً.
لا يتعلق الأمر بمبادئ خاصة بقضايا وطنية، بل هي سياسة الرجل الواحد، والزمرة التي تحيط به. من أجل هذا أصبح التمسك بالسلطة غاية في حد ذاته، وصار ارتكاب كل أنواع الأذى، والمكائد يصب في النهاية في خدمة هذه الغاية التي ينظرون إليها باعتبارها السبيل الوحيد للحياة السياسية، والوطنية.
لم يعد هناك مكان للحريات حتى في داخل الحزب الذي جاء إلى السلطة تحت راية الحرية.
وعلى صعيد آخر صار رجال الأحزاب المثاليون من المبعدين، وأصبحت الأمة منكسرة، وظهرت الصحافة في صورة العاجز المكبل.
أما المجموعة البرلمانية، التي هي الخلاص، والأمل الوحيد أمامنا، فعجزت هي الأخرى عن تَلمُّس طريق تبث من خلاله الدفء، والحماسة لتلك الروح الوطنية المنهزمة. وفي خضم هذه الصورة القاتمة، ظهر حزبنا، حزب المتهمين والأبرياء، في الوقت الحاضر، في صورة فظة، ساذجة.
لم يترك هذا الحزب فُسحةً من أجل الحوار، وبدلًا من المحبة صار الخوف هو السائد، وكانت النتيجة أن ضعفت الروابط الروحية، وساد الطمع، والسخط.
صار الناس لا يحبون القادة، أو بعبارة أخرى صاروا يخافون منهم، مرة أخرى أصبحت الأمة التركية على موعد مع سوء الطالع. ولم يعد لنا حق في السعادة!
ليتنا لم نقع في شباك الكراهية واليأس. ليت العالم التركي كان مليئًا بالحماس.
فقدنا هذا النوع من الحماسة اليوم…
… وإذا لم يكن العمران، والحضارات المادية مصحوبة بإعمار آخر للقلوب، فمن الطبيعي أنها ستنهار بكل ثقلها فوق الأمة.
… في هذه الحالة دعونا جميعا كحزب، وكحكومة نولي بعض الاهتمام لشئون هذه الأمة. تعالوا نتخلى عن منطق القوة، ونُنحِّي جانبًا العناد، ومنطق “لن تنفذوا إلا ما أقوله فقط”. تعلَّقوا بكل قوة بالمبادئ التي هي أساس المنظومة بكاملها.
لا تخشوا من الحرية، اتركوا منطق العمل بيد واحدة، تعالوا نتعاون سويا.
أطلب منكم ألا تفهموا كلماتي بشكل خاطئ. أكتب إليك رسالتي هذه بوصفي إنسانًا تعوَّد أن يُعمل عقله وفق مبادئ مؤسساتية. لم أكن أن أُغضبك مني؛ فقط حاولت أن أوضح قناعاتي، وملاحظاتي…
كلمتي الأخيرة، هي تكرار لكلمة كتبها أحد الشعراء العظام:
“إلهي! اكتب لوطني البقاء بدون خوف في عالم حر، لا مكان فيه للخوف”
نُشِرت هذه الرسالة في الصحف التركية بتاريخ 16 أكتوبر عام 1955.
حملت الرسالة توقيع فوزي لطفي قره عثمان أوغلو أحد مؤسسي الحزب الديموقراطي، وأحد الوزراء السابقين.
التحق السيد فوزي لطفي في سنوات شبابه بحزب الفكر الحر، اتجه بعد ذلك إلى تأسيس الحزب الديموقراطي؛ شارك في العمل السياسي بتوليه وزارة الداخلية في عهد مندريس، كان شديد الولاء للحزب الديموقراطي، وهو الأمر الذي ظهر جليا من خلال خطبه.
وفي عام 1955 تم إخراجه من هذا الحزب بسبب توقيعه على مشروع قانون يقضي بمنح الصحافة ما يعرف بـ”حق الإثبات” في قضايا الفساد، كتب فوزي لطفي الخطاب -الذي انتقيت منه الأجزاء الموجودة أعلاه- إلى رئيس الجمهورية عقب استبعاده، وقام بنشره في الصحافة التركية حينها.
تعكس الرسالة في مجملها خيبة أمل أحد السياسيين التحرريين، المثاليين، بعد فترة قوامها خمس سنوات قضاها في السلطة، تم استبعاده بعدها لا لشيء سوى أنه اعترض على بعض الممارسات القمعية التي تذكر بحكومة “الحزب الواحد” اليوم.
عندما قرأت الرسالة لأول مرة قبل سنوات، أدركت أنه يتناول فكرة “التمركز حول الذات”، والممارسات التي كان يقوم بها رؤساء الأحزاب، أدركت حينها بعد مرور هذا العدد من السنوات أننا نعيش بحق في وضع مؤسف؛ فالسنوات تمر ولا يشهد هذا البلد أي تغيير!