تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – أدلى رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم بتصريحات صادمة صنّفت ضمن الأدلة التي تثبت أن أحداث 15 تموز / يولويو عام 2016 كانت “انقلابًا مدبرًا” كما ترى المعارضة، وذلك في لقاء أجراه مع رؤساء تحرير وكالة “الأناضول” الرسمية.
وعندما وجه أحد رؤساء تحرير الوكالة الرسمية سؤالاً إلى يلدريم مفاده: “هل هناك من مشروع أحرجكم وأزعجكم كثيرًا أو قلتم عنه ‘يا ليتنا لم ننجزه’؟! رد قائلاً:” عن أي المشاريع (المزعجة) أتحدث؟! فلقد أنجزنا مشاريع كثيرة جدًا، لكن المشروع الذي أزعجني هو أحداث 15 يوليو/ تموز 2016!”.
ومن اللافت أن جميع المشاركين في اللقاء تضاحكوا فيما بينهم عقب هذه التصريحات وكأن الموضوع هزلي، مع أن أحداث الانقلاب الفاشل أسفرت عن استشهاد حوالي 250 مواطنًا، معظمهم من المدنيين. ثم حاول أحد رؤساء تحرير الوكالة إزالة الشبهات التي قد تورثها تصرياحات يلدريم في أذهان الرأي العام قائلاً: “المشروع الذي تم تنفيذه على الرغم من انزعاجنا منه!”
ولما لاحظ يلدريم أيضًا خطورة تصريحاته وإيحاءاتها المثيرة للشكوك حول حقيقة الانقلاب الفاشل أو تمثيليته حاول تدارك الأمر وأعاد صياغة جملته، لكن مضمرات قلبه طغت على لسانه كذلك، حيث قال: “يا ليت أحداث الانقلاب الفاشل لم تكن! حمدًا لله لقد بذل الجميع ما بوسعه في تلك الليلة لمنع نجاح الانقلاب، بدءً من رئيس الجمهورية الصارم والشعب الذي حمى علمه وانتهاءًا بالشرطيين والعسكريين الوطنيين الذين انقادوا للأوامر الصادرة لهم وأنتم كإعلاميين. لا شك أن المشاريع التي حققناها حتى اليوم كلها مشاريع طيبة ما عدا انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016!”.
أثارت هذه التصريحات اندهاش عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي واعتبره البعض دليلاً جديدًا على تدبير السلطة السياسية انقلابا صوريًا “تحت السيطرة” من أجل توسيع صلاحيات الرئيس أردوغان والحكومة وقمع معارضيهما. فقد علق المحلل السياسي التركي “جودت كامل” عبر حسابه في تويتر على التصريحات بقوله: “إذا كان الانقلاب من ضمن مشروعاتكم فلماذا اعتقلتم مدرسين وربات منزل بتهمة الانقلاب وطردتم ١٥٠ ألف موظف حكومي من وظائفهم بنفس التهمة؟ ألا تعرفون أن الكفر يدوم والظلم لا يدوم؟!”.
بينما وصف صاحب حساب “نبض تركيا” التصريحات “بالفضيحة الكبيرة جدا”، ثم لفت إلى أن “غش القلوب تظهره فلتات اللسان وصفحات الوجوه، وعزّز رأيه بقول منسوب إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: “مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ”. في حين أن حساب @TurkishOpposed أكد أن “شهوة الحكم لدى أردوغان مرتفعة جدا لدرجة أنه مستعد لتضحية كل شيء من أجله؛ صديق.. وطن.. دين..! مبادئ كلها لو تساعده في بقائه على السلطة مرحبة بها وإلا يمكن أن يتنازل منها”. وقال أحمد الأشرفي تحت هاشتاج #أين_العالم_الحر_ليكبح_جماح_هذاالمجنون إن أردوغان “كتب مسرحية الانقلاب ومثلها وقدمها وأنهاها في ليلة وحدة ليتخلص من معارضيه دفعة واحدة واستمر بالتصفية واعتقل اليوم 300 ضابطًا.. لقد غيّر الدستور وزوّر الانتخابات ليبقى الزعيم الأوحد.. دعم ونشر الإرهاب ومعه قطر وإيران ويريد خلافة العالم”.
كيف علم أردوغان ويلدريم أن حركة الخدمة هي المدبرة للانقلاب؟
تتهم الحكومة التركية حركة الخدمة بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل، غير أن رئيس الوزراء يلدريم كان اعترف في تصريحات أدلى بها لصحيفة “حريت” بوجود مخططٍ لتلفيق محاولة الانقلاب لحركة الخدمة، إذ أكد أنهم بعد التواصل مع أردوغان في تلك الليلة اتخذوا قرارًا بإعلان حركة الخدمة مسؤولة عن المحاولة دون الاستناد إلى أي معلوماتٍ من جهاز الاستخبارات الوطنية أو أي أجهزة أمنية أخرى، ثم أضاف قائلاً: “في تلك اللحظة كان من الممكن أن يكون هذا التشخيص صحيحًا أو خاطئًا!”.
وأكد يلدريم أنه من شكّل بنفسه قناعته الخاصة بمحاولة الانقلاب، (دون الاستناد إلى تقرير للمخابرات أو الأمن)، ثم تابع بقوله: “لقد استشرت السيد رئيس الجمهورية، وتحدثنا معًا؛ وتوصلنا لقناعة أن هذه المحاولة من عمل وتنفيذ أعضاء منظمة فتح الله غولن… في صفوف الجيش. وهذا التشخيص كان قابلاً للخطأ والصواب في تلك اللحظة!”، وفق قوله.
ومن المثير أن يلدريم قال: “لا تطالبونا بأدلة تدبير حركة الخدمة للانقلاب الفاشل” عندما وجه له “فريد زكريا” في برنامج على تلفزيون (سي إن إن) الأمريكيى سؤالاً حول ضعف الأدلة المقدمة من قبل حكومته، وأنه من المؤكد أن تركيا لو كان لديها أدلة قوية تثبت تدبير حركة كولن للانقلاب الفاشل لكشفت عنها. إذ شبه يلدريم محاولة الانقلاب بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة وأضاف: “الجميع مقتنعون بتدبير تنظيم القاعدة لهذه الهجمات، غير أنه لم يطالب حينها أحدٌ بتقديم أدلة على وقوف القاعدة وراءها! الولايات المتحدة اتهمت تنظيم القاعدة بتدبير الهجوم الإرهابي، غير أنه لم يطالبها أحدٌ حينها بتقديم أدلة تثبت صحة هذا المدعى”، ما يكشف أنهم لا يمتلكون أي دليل حول تدبير الخدمة للانقلاب وإنما يتحركون وفق خطة معدة مسبقًا.