بقلم: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – أحاول متابعة الشأن التركي منذ عام 2002 حيث وصل زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان إلى الحكم. حتى أتذكر أنني كنت كتبت تقريرًا عن النجاح الذي حققه أردوغان في انتخابات 2002 البرلمانية لمجلة تصدر في البوسنة والهرسك. وأسعى منذ عام 2009 لكتابة مقالات في هذا الشأن من حين لآخر في مسعى لرصد الأحداث وتداعياتها الداخلية والخارجية.
لذا أستحضر جيدًا مئات المقالات التي حذرت السلطة الحاكمة في تركيا بقيادة أردوغان من المصير الراهن الذي قاد البلاد والمنطقة القريبة إلى الفوضى والاضطرابات التي تمثلت بصفة رئيسية في الأزمة السورية. لكن كلما دعا كتاب ومفكرون وعلماء مخلصون أردوغان وجماعته، سرًّا وعلانية، إلى التؤدة والتأني والحيطة والحذر واستشراف عواقب الأمور والتحسب لمئالاتها، جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا، واستغشوا ثيابهم لئلا يروا، واستكبروا استكبارًا لا يقبلون رأيًا من أحد!
“أردوغان ممثلاً للتنظيمات الإرهابية في قمة طهران”
لقد بدأت الأشواك التي زرعها أردوغان بسياساته الهوجاء في الداخل التركي والمنطقة توجعه أيضًا. فوضعه أمام كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني كان موقفًا لا يحسده عليه أحد. إذ قدم أردوغان نفسه في قمة طهران “ممثلاً” للنتظيمات الجهادية عندما دعا إلى وقف إطلاق النار في محافظة إدلب محذرًا من أن يؤدي هجوم وشيك للحكومة السورية على المتشددين هناك إلى مذبحة، ورد عليه نظيره الروسي بوتين بأنه يعارض أي هدنة مع “الجماعات الإرهابية”، ولا يمكن توجيه دعوة للأطراف التي ليست حاضرة في القمة! كما أن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية تعمدت اختيار صورة مذلة لأردوغان لنشرها في الإعلام يظهر فيها وهو ينحني لنظيره الإيراني روحاني، في رسالة تشير إلى خضوعه للمطالب الإيرانية أو المشاريع الفارسية!
ويتفق معظم المراقبين على أن أردوغان هو الخاسر الأكبر في قمة طهران، وبدأوا يتساءلون ما إذا كان هذا الفشل سيدفعه إلى الارتماء في الحاضنة الأطلسية مجددًا أو الخضوع للشروط الأميركية على أقل تقدير.
هل يتصدع التحالف بن أرجنكون وأردوغان؟
اختطاف تركيا من حلف شمال الأطلسي عبر السيطرة على أردوغان كان إستراتيجية طبقها في الداخل التركي المجموعة التي تتبنى “الفكرة الأوراسية” من عناصر جماعة “أرجنكون” والمحور الروسي الإيراني في الخارج. فهؤلاء المجموعة وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون أقنعوا أردوغان بشكل أو آخر بضرورة الاستعانة بالمجموعات الإسلامية الراديكالية المسلحة لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، الأمر الذي لقي صدى إيجابيا في نفس أردوغان.
لم يكن بوسع أردوغان أن يستشرف الخطر المحدق به وبتركيا جراء تعاونه مع التنظيمات المصنفة إرهابية وفق التصنيفات الدولية، إذ كان إسقاط الأسد، ومن ثم الصلاة في الجامع الأموي، يداعبه ليعلن نفسه خليفة للمسلمين، ما جعله يصمّ آذانه لكل النداءات المحذرة. هذا الحلم حمله على إعلان الحرب على كل من يعترض على الاقتحام في الأزمة السورية من المدنيين والعسكريين، بعد أن تحالف مع جنرالات “أرجنكون” الموالين للمعسكر الأوراسي، في أعقاب الكشف عن فضائح الفساد والرشوة عام 2013. فقام بتصفية البيروقراطيين في أجهزة الأمن والقضاء بذريعة “مكافحة منظمة فتح الله كولن…”، تبع ذلك تصفية الجنرالات والضباط في الجيش الذين كانوا يعارضون التدخل العسكري في سوريا بصورة قاطعة، بما فيهم وزير الدفاع الحالي رئيس الأركان السابق “خلوصي أكار”، وذلك من خلال تدبير انقلاب محكوم عليه بالفشل واستخدام الذريعة ذاتها.
نجحت مجموعة أرجنكون وحلفاؤها في إقحام أردوغان، بما يوافق رغبته المذكورة، في الملف السوري، وأصبح اسمه، ومعه اسم تركيا، لصيقًا بالتنظيمات الإرهابية، خاصة من خلال عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التي نفذها مع المجموعات الراديكالية المعارضة في سوريا. وفي نهاية المطاف أصبح أردوغان عالقًا أو مذبذبًا بين جماعته الإسلامية الراديكالية ومجموعة أرجنكون العلمانية المعادية للدين في الداخل، وفي الخارج بين الولايات المتحدة التي تهدده بفرض عقوبات اقتصادية هائلة بسبب اختراقه عقوباتها على إيران والمحور الروسي الإيراني الذي يلوح دائمًا في وجهه بورقة الإرهاب.
“دوغو برينتشاك” يهدد أردوغان!
في أعقاب قمة طهران يوم الجمعة الماضي، كرّر زعيم حزب الوطن “دوغو برينتشاك”، الداعم للفكرة الأوراسية، ما قاله بوتين في وجه أردوغان هناك، وبعبارات شديدة اللهجة للغاية بحيث لم يستخدمها منذ التحالف بينهما. إذ قال في مقاله بصحيفة “آيدينليك” منتقدًا أردوغان وداعمًا بوتين: “وضع أردوغان في ختام قمة طهران لا بد أن يكون درسًا يتعظ منه الجميع! تصوروا أن المشاركين في القمة قد وافقوا على نشر بيان مشترك للتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، غير أن رئيس تركيا لا يزال يدلي بتصريحات مخالفة لما ورد في هذا البيان المشترك، ويتحدث عن لزوم وقف إطلاق النار في إدلب. غير أن التنظيمات الإرهابية التي تريد الهدنة لم تحضر هذه القمة. أصيب الجميع بالدهشة والصدمة! لم تأتِ تصريحات أردوغان هذه في إطار القواعد الدبلوماسية وإنما هي من قبيل السعي لبعث رسائل إلى الأوساط الأمريكية والإسرائيلية. الأمر الذي يدلّ على أن أردوغان حضر هذه القمة لا باعتباره رجل الدولة بل باعتباره ممثلاً مسرحيًّا يقدم عرضًا! فالحل في سوريا ليس في الهدنة وإنما يكمن في ترك التنظيمات الإرهابية السلاح، كما قال الرئيس حسن روحاني”.
ورفع برينتشاك الذي سبق أن خضع للمحاكمة في إطار قضية أرجنكون حدة لهجته بعد يوم من هذا المقال وهاجم أردوغان وهدده قائلاً: “أردوغان لا يستطيع التخلي والانفصال عن المجموعات التي دعمها في سوريا لإسقاط الأسد، لكن إذا لم يستطع أن يحقق ذلك فإن تركيا ستتخلى عنه قريبًا!”
ولا شك أن هذه التصريحات تهديد مباشر من عصابة أرجنكون التي دبرت الانقلاب الفاشل بالتواطؤ مع أردوغان في عام 2016 وبسطت سيطرتها على الجيش الوطني بذريعة “مكافحة منظمة فتح الله كولن…”، بعد أن فرغت من السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء والأجهزة الأخرى بحجة “مكافحة الكيان الموازي” في أعقاب ظهور فضائح الفساد والرشوة عام 2013.
جاء الرد على تصريحات برينتشاك الرافضة لدعوة أردوغان إلى الهدنة في محافظة إدلب من صحيفة “يني عقد”، إذ وصفته بـ”المتملق والموالي للأسد قاتل الأطفال” و”الراغب في سفك مزيد من الدماء في سوريا”.
يا لها من تناقض! هل لاحظتم الآن أن برينتشاك وجماعته موالون للأسد وإيران وروسيا، مع أن الرجل يدافع عن هذه الفكرة منذ ثمانينات القرن الماضي! طالما أنكم تعلمون هذه الحقيقة فلماذا تنامون في السرير نفسه مع مجموعة أرجنكون منذ خمس سنوات وتتبعون خطواتهم وتنفذون مشاريعهم يا ترى؟!
“تجاوزنا أيام انقلاب 1997 في مكافحة جماعة كولن”
والحقيقة أن برينتشاك الذي يعتبر المتحدث باسم جماعة أرجنكون اعترف قبل بضعة أيام على قناة “خبر ترك تي في ” كيف أنهم نجحوا في وضع كل الجنرالات والضباط الوطنيين غير المرغوبين فيهم فى سلة “المنتمين إلى جماعة كولن” وتصفيتهم جميعًا في أعقاب الانقلاب المدبر. إذ قال وكأنه الرئيس الذي يحكم في البلاد: “لقد قطعنا أشواطًا عريضة في مكافحة الرجعية الدينية ووصلنا إلى مستوى غير مسبوق فيها. فنحن اليوم تجاوزنا المرحلة التي كنا وصلنا إليها في عملية 28 فبراير/ شباط 1997 (الانقلابية) في مكافحة جميع الجماعات والطرق الإسلامية، وفي مقدمتها جماعة فتح الله كولن. تركيا اليوم تواصل المسيرة التي بدأت في 28 شباط 1997”.
واعترف برينتشاك بأن هدف الانقلاب “الناعم” في 1997 كان حركة الخدمة، وأكد أنهم تعاملوا مع هذه الحركة بـ”أسلوب ناعم” في ذلك الوقت، ثم استدرك قائلاً: “أما اليوم فنحن تجاوزنا كثيرًا ما حققناه في ذلك الوقت؛ إذ تم طرد 30 ألفًا من الجيش، و14 ألفًا من جهاز الأمن، واعتقال 4 آلاف من القضاة والمدعين العامين، وفصل 120 ألف موظف من المؤسسات الأخرى. لذلك لا شك أننا تقدمنا على ما تحقق في عملية 28 شباط بكثير في مكافحة جماعة كولن”.
https://www.youtube.com/watch?v=pYezmKNjFJM
ولما تدخل محمد متينر، المسؤول في حزب العدالة والتنمية، في البرنامج المذاع على قناة “خبر ترك” بقوله: “لقد شهدت تركيا محاولات لإغلاق حزب أردوغان”، رد برينشتاك قائلاً: “لو عارض أردوغان اليوم النظام الحالي في البلاد، ووقف إلى جانب جماعة كولن مجددًا، فإنه لا ريب أن حزبه سيتم إغلاقه أيضًا”.
بالله عليكم من هو رئيس هذه البلاد أهو أردوغان أم برينتشاك؟ وكيف يسكت أردوغان المعروف بعنترياته على هذه التصريحات المهينة له؟
ليس من المستبعد أن نرى قريبًا أردوغان وهو يعضّ على يديه ويقول في حسرة وندامة: “يا ليتني اتخذت مع الناصحين سبيلاً. يا ويلتى ليتني لم أتخذ أرجنكون خليلاً!”