تقرير: محمد عبيد الله
القاهرة (زمان التركية) – لا يدخر نظام أردوغان في تركيا جهدًا لتوظيف كل آليات الدولة الرسمية ووسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية الخاضعة له في إلحاق أضرار مادية أو معنوية بالأشخاص والمؤسسات التي يصنفها “معارضة” أو “عدوًّة”.
واللافت أن هذا النظام يصدّر حروبه ومشاكله الشخصية والحزبية والفئوية القائمة على الحقد والكراهية والحسد إلى البلدان الأخرى؛ إذ يستخدم ما يمكن تسميته “أذرعه الطويلة” بتلك البلدان في هذه العملية فيحدث بلبلة وفوضى فيها للأسف الشديد. وكثيرًا ما يحقق ذلك عبر التواطؤ مع بؤر معينة متورطة في الجرائم أو متعطشة للأموال أو متحالفة معه في الفكر والمنهج، في أجهزة تلك البلدان، فيتم اختطاف الأشخاص وتسليمهم لهذا النظام المارق أو يتم مصادرة أو إغلاق المؤسسات المصنفة “معارضة” أو “عدوة”.
نشاهد معظم هذه العماليات الأردوغانية في الدول الراسبة في مجال حقوق الإنسان والضعيفة من الناحية الاقتصادية. وآخرها وقعت في أفغانستان، حيث صادرت السلطات الأفغانية أولاً مدرسة تابعة لحركة الخدمة معروفة بنجاحاتها على المستوى المحلي والدولي، بطلب أو ضغط من أردوغان، ونقلت ملكيتها إلى وقف “معارف” التابع لنظامه، ثم داهمت الشرطة قبل يومين تلك المدرسة باستخدام كل أنواع العنف والاعتداء وقامت باعتقال مجموعة من طلابها المحتجين قائلين: “أسلحتنا أقلامنا، وأنتم تحاولون أخذ أقلامنا من أيدينا، عار عليكم!”.
هذا هو ما يحدث في الدول التي يجد نظام أردوغان فيها “آذانًا صاغية” له!
أما الدول التي ترفض الخضوع له وتعرقل إجراءاته التعسفية فيلجأ فيها أردوغان إلى طرق ملتوية، ويظهر بوجهٍ آخر غير الوجه الذي ظهر به في مجموعة الدول الأولى. إذ يتبع خطة مدروسة جيدًا، ثم يشرع في تطبيقها خطوة بخطوة بخبث، ويحقق في نهاية المطاف أغراضه أو يفشل في ذلك فشلاً ذريعًا كما حدث في مصر أكثر من مرة.
تكرار سيء لاتهامات ثبت زيفها
قبل نحو أسبوع نشر حساب “وهمي” على موقع “فيسبوك” مناشدة زعمت فيه أن مدرسة “صلاح الدين” الدولية العاملة في مصر والمعروفة بنجاحاتها في المسابقات العالمية في مجال العلوم واللغات والآداب، تعمل لصالح النظامين القطري والتركي، وتنفذ عمليات في مصر بتوجيهات قطرية وإخوانية! مع أننا بعثنا رسائل إلى الحساب واستفسرنا المصدر الذي حصل على تلك المعلومات منه إلا أنه لم يرد على أي سؤال، فضلاً عن أنه قام بحذف تلك الأسئلة!
هذا الادعاء لم يكن سوى تكرار سيء لأمثاله من الادعاءات التي فرغت السلطات المصرية من التحقيق والحكم فيها بالبراءة. فهذا الادعاء المكرر من الحساب الوهمي كان الخطوة الأولى، تبعتها الخطوة الثانية وهي أن أحد المحامين تقدم بهذا البلاغ إلى النيابة العامة، ثم جاءت الخطوة الثالثة وهي أن أحد القنوات المصرية الخاصة نشرت هذا الخبر، وأجرت مكالمة هاتفية مع هذا المحامي حول الموضوع وأصدر حكمه المسبق قبل أن ينتظر نتائج البلاغ وتحقيق النيابة العامة في تلك المزاعم! وقد أدلى المحامي بتصريحات مثيرة للغاية دلّت على أنه لا يعلم شيئًا من المدرسة، فضلاً عن أنه زعم أن فتح الله كولن هو المرجع والمصدر الأول لفتاوى أردوغان!!!
وسعيًا للكشف عن حقيقة هذه المزاعم، تواصلنا مع مسؤول إداري في مدرسة صلاح الدين، فأرسلَنا بيانًا أكد فيه أنه “يظهر من أسلوب الخبر والمعلومات الواردة في ثناياه أن الصفحة موجهة، وليس عندها أدنى معلومات صحيحة عن تلك المدرسة.من الممكن أن تكون موجهة من قبل “المصدر” الذي حصل منه على المعلومات المتعلقة بالمدرسة، أو هناك أشخاص أو جماعات محظورة في مصر ذات أغراض مشئومة مرتبطة بالنظامين القطري والتركي تحاول تلطيخ سمعة هذه المدرسة المعروفة بنجاحاتها على المستويين المصري والدولي. كما تلاحظ أن من نشر هذه المناشدة مجرد حساب وهمي ليس له أي مرجعية أو مصداقية. وتنفي مدرسة صلاح الدين الدولية، وجود أي علاقة لها بأي جماعة محظورة في مصر أو غيرها”.
وأعاد المسؤول للأذهان أن مفتي الديار المصرية السابق فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة هو الذي افتتح هذه المدرسة في عام 2009 وما زال يشغل منصب رئيس مجلس أمناءها، وليس أردوغان أو زوجته أمينة أردوغان كما زعم المحامي على القناة المذكورة. ثم تابع قائلاً: “وغني عن البيان أن اتهام مدرسة صلاح الدين بأنها تابعة لجمهورية تركيا لا أساس له من الصحة، حيث إن هذه المدرسة بالكامل مملوكة لشركة تخضع لقوانين جمهورية مصر العربية وتعمل وفقها وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم المصرية وتهدف إلى الاستثمار في المجال التعليمي، وليست لها أي صلة رسمية أو غير رسمية بالحكومة التركية، بالإضافة إلى أن المدرسة لا ترتبط بأي أفكار سياسية أو حزبية أخرى، سواء في الداخل التركي أو خارجه”.
وزارة التعليم المصرية تبرئ مدرسة صلاح الدين
أما الجانب القانوني للموضوع فلو كان المحامي أو القناة المذكورة التي استضافه، راجعت السلطات المصرية أو وزارة التربية والتعليم لاطلعوا على حقيقة الأمر بسهولة، إذ نشرت الوزارة في 7 مارس 2018 بيانًا حول مزاعم علاقة مدرسة صلاح الدين بالنظامين التركي والقطري، بناء على صورة “رابعة” على لافتة تحملها إحدى طالبات المدرسة، شددت فيه على أن “ما أثير على مواقع التواصل الاجتماعى عن صورة لطالبة ترفع إشارة رابعة، صرح الإعلامى أحمد خيرى المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني إنه تم تكليف لجنة من الإدارة العامة للشئون القانونية والإدارة العامة للتعليم الخاص والدولي لبحث موقف المدرسة، وتبين أن الواقعة محل الادعاء ليست حديثة، وإنما يرجع تاريخها إلى عام 2014، وسبق وأن تم بحثها، وبذلك ينتفي إتيان الفعل خلال هذه الفترة. وأكدت عبير إبراهيم، مدير عام الإدارة العامة للتعليم الخاص والدولي، على أنه تبين من خلال أعمال لجنة البحث، والتى انتقلت على الفور إلى مقر المدرسة للتأكد من صحة أو عدم صحة الواقعة، وأسفر ذلك عن عدم وجود أية أنشطة بالمدرسة خلال هذه الفترة لها اتجاهات سياسية من أي نوع، كما تبين أن الصورة عرضت فى بداية عام 2014، وتم حذفها من الصفحة الشخصية للطالبة، كما أنها قامت بغلق حسابها الشخصى فى حينها”.
كل هذه الحقائق تقودنا إلى أن الافتراءات والاتهامات الموجهة إلى هذه المدرسة المرموقة يقف وراءها إما أشخاص أو جهات ليس لديهم أي معلومات بما تكلموا فيه أو مكلفون أو موجهون من قبل نظام أردوغان نفسه الذي يعادي كل من يدعم سياساته الهوجاء، سواء علموا ذلك أو جهلوه! وإلا كيف يمكن تفسير هذا القدر من الجهل الذي يجمع بين أردوغان وفتح الله كولن، الملهم الفكري للمدارس التركية المنتشرة حول العالم، مع أن الطرف الأول يقود حربًا شعواء ضد الثاني منذ عام 2013، بعد أن كان يجمع الطرفين تحالف في القيم والمبادئ الديمقراطية، إلا أن هذا التحالف انتهى بمجرد تخلي الطرف الأول عن هذا النهج الديمقراطي “كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا”.