بقلم: صاواش جينتش
عضو هيئة التدريس بجامعة “فاتح” التركية
سعت تركيا، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الصادرات والسياحة، في عهد الرئيس الراحل “تورجوت أوزال” إلى تغيير مجالات اهتمامات سياستها الخارجية وأولوياتها بشكل متزامن مع هيكل ديناميكي يمكنه الانفتاح على أسواق مختلفة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]بينما وجدنا تركيا قبل “الربيع العربي” تحل مشاكل مع جيرانها وتلغي تأشيرات الدخول مع دول المنطقة بشكل متبادل وتتقدم بخطوات ثابتة في طريق عضوية الاتحاد الأوروبي، رأيناها كيف نحّت جميع خططها العقلانية جانبًا مع اندلاع الثورات في شوارع البلدان العربية، وعقدت لقاءات شعبية في مناطق الثورات، ورجّحت سياسة خارجية داعمة بشكل كبير لجماعة الإخوان المسلمين ومدّعية فرضية العثمانية الجديدة.[/box][/one_third]وبفضل الخطوات الشجاعة التي أقدم عليها أوزال، مثل الاهتمام بالعلاقات مع الدول العربية عن كثب، والتعاون الإقليمي مع جمهوريات آسيا الوسطى وطلب العضوية الكاملة بالاتحاد الأوروبي، وسّعت السياسة الخارجية التركية رؤيتها ودخلت في تحدٍ كي تكون فاعلًا دوليًا يعتدّ به.
وقد فقدت أنقرة الوقت بسبب الأزمات الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي، وفي الوقت الذي ركّزت فيه جهودها بالكامل على مطاردة الساحرات في السياسة الداخلية من أجل “سلامة النظام” كما حدث في وتيرة انقلاب 28 فبراير / شباط 1997، رجّحت الدولة التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل في الخارج.
يمكننا تحليل السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية عن طريق تقسيمها إلى شريحتين زمنيتين مختلفتين، وبينما وجدنا تركيا قبل “الربيع العربي” تحل مشاكل مع جيرانها وتلغي تأشيرات الدخول مع دول المنطقة بشكل متبادل وتتقدم بخطوات ثابتة في طريق عضوية الاتحاد الأوروبي، رأيناها كيف نحّت جميع خططها العقلانية جانبًا مع اندلاع الثورات في شوارع البلدان العربية، وعقدت لقاءات شعبية في مناطق الثورات، ورجّحت سياسة خارجية داعمة بشكل كبير لجماعة الإخوان المسلمين ومدّعية فرضية العثمانية الجديدة.
ولما رأى صُنّاع القرار أن أتباع أردوغان في شوارع الشرق الأوسط يتزايدون، كلما حدث صراع مع إسرائيل، سارعوا إلى حملة سفينة “مافي مرمرة” من أجل زيادة نفوذهم من خلال معارضة إسرائيل، عبر صراعات عدة محدودة.
وبعدما قتلت إسرائيل مواطني تركيا في المياه الدولية، أسقط النظام السوري إحدى طائراتها دون إصدار تحذير، الأمر الذي أفضى إلى استشهاد طيارَين من أبناء وطننا، ولما لم يتلقّ نظام “بشار الأسد” الرد اللازم فورًا، عمد إلى قصف مدينة “ريحانلي” الحدودية التركية مرارًا وتكرارًا، وبعد هذه الهجمات بدأت تتهاوى صورة أنقرة المنقِذة لشعوب المنطقة وقوتها التي لا تقهر.
لقد مرّت تركيا تحت زعامة أرودغان بالاختبار الصعب ذاته، الذي خضعت له عندما انفتحت على دول آسيا الوسطى في تسعينيات القرن الماضي بظنها أنها تستطيع استعادة أمجاد العثمانيين في تلك المنطقة من جديد بحماسة عالية، ثم سرعان ما اضطرت أن تعود خطوة إلى الوراء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد مرّت تركيا تحت زعامة أرودغان بالاختبار الصعب ذاته، الذي خضعت له عندما انفتحت على دول آسيا الوسطى في تسعينيات القرن الماضي بظنها أنها تستطيع استعادة أمجاد العثمانيين في تلك المنطقة من جديد بحماسة عالية، ثم سرعان ما اضطرت أن تعود خطوة إلى الوراء.[/box][/one_third]وعند النظر من منظور الشرق الأوسط…تكسو الأهمية الكبيرة موضوع دراسة :”كيف تنظر النخب في الشرق الأوسط (الأكاديميون، صُنّاع القرار، الإعلاميون، رجال الأعمال، الكتاب وغيرهم) إلى ترجيحات السياسة الخارجية التركية”. وبأي أحكام تقييمية تُتابَع تركيا من جانب نخب الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي أولت إليها السياسة الخارجية التركية اهتمامًا مركزًا؟ ولقد توصلنا إلى معلومات مثيرة للغاية حول هذا الموضوع بفضل دراسة أجريناها بصفتنا قسم العلاقات الدولية بجامعة “فاتح” التركية في الفترة ما بين 1 مايو / أيار – 15 يونيو / حزيران 2014 في فلسطين، والمغرب، وإيران، وإسرائيل، والعراق، وليبيا، ومصر، وسوريا، وتونس.
والنتيجة الأولى البارزة المذهلة والمهمة هي بمثابة التساؤلات حول أسس السياسة الخارجية التركية والقوة التي تعتمد عليها، وقد أجاب نحو 55% من النخب الشرق أوسطية بـ”نعم” على سؤال: “هل تركيا تركّز على أهداف في السياسة الخارجية تفوق قدرتها العسكرية والاقتصادية؟” وكانت هذه النسبة 45% فقط في دراسة كنا قد أجريناها قبل عام.
ووجهنا سؤالًا شاملًا للغاية للمشاركين في الدراسة من أجل قياس مدى قرب تركيا – التي لم تحصل على ما تريد في المناطق التي تعيش نزاعات – لمجتمعات الشرق الأوسط بصفة عامة: “إذا كنتم ستعددون الدول التي تمتلك علاقات جيدة وقريبة من دولتكم من الأفضل (1) إلى الأسوأ (5)، فماذا سيكون ترتيب تركيا؟”
وتستحق الردود التي تلقيناها التحليل بدقة وتأنٍ، ففي الوقت الذي وضع فيه 18% من نخب الشرق الأوسط تركيا في المركز الأول عام 2013، تراجعت هذه النسبة العام الجاري إلى 8% فقط، فيما انخفضت نسبة من يرونها تحتل المرتبة الثانية من 23 إلى 16%، وإذا عقدنا مقارنة بين النخب الشرق أوسطية بشكل عام على ما كانت عليه العام الماضي نراهم أفادوا بأن علاقات تركيا بدولهم تسوء بمرور الوقت، وأن تعاطفهم مع تركيا كمجتمع قد قلّ.
الديمقراطية التركية تفقد رونقها
وجهنا سؤالًا للمشاركين في الدراسة حول ما إن كانت تركيا تشكل نموذجًا للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط أم لا؟ وهو السؤال الذي دار حوله جدل واسع في السنوات القليلة الماضية.
وفي الوقت الذي بلغت فيه نسبة الرد الإيجابي على هذا السؤال 67% عام 2013، انخفضت هذه النسبة في دراسة العام الجاري إلى 60%.
يجب أن تكون الأولوية في سوريا وقف إطلاق النار والتطبيع مع مصر
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]في الوقت الذي أوضحت فيه نخب الشرق الأوسط أن المنطقة أنهكتها الصراعات، وأعربت عن تمنياتها بأن يجري الاهتمام بالبحث عن حلفاء، اعتبرت أن الربيع العربي أفضى إلى الفشل. ولقد حصلت تركيا هي الأخرى على نصيبها من هذا الفشل سواء من خلال ترجيحاتها في السياسة الخارجية أو معايير الاستبداد الذي طبقتها في الداخل.[/box][/one_third]طرحنا سؤالًا حول النزاع السوري الذي يعتبر من أهم مواضيع الجدل في المنطقة، مفاده “ما هو الدور الذي ينبغي لتركيا أن تلعبه لحل الأزمة السورية؟” فاقترح 65% من المشاركين في الدراسة أن تكون الأولوية في سوريا هي وقف إطلاق النار ومناقشة مستقبل سوريا على الطاولة، ويمكن أن نعتبر تبنّي المعارضة السورية لهذه النسبة وإشارتها إليها من بين النتائج المذهلة التي توصلت إليها دراستنا.
ووجهنا سؤالًا آخر: “كيف تنظر إلى تقارب إيران مع الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط؟”، مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقات الجديدة بين الرئيسين الأمريكي والإيراني اللذين جلسا على طاولة واحدة للحوار بعد 34 سنة من القطيعة، وذلك عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر؟”.
وقد أجاب 43% من النخب الشرق أوسطية بردود إيجابية للغاية على هذا السؤال.
ولما سألنا المشاركين في الدراسة حول مستقبل علاقة تركيا بالإدارة المصرية، رأينا أن 45% منهم قالوا: “يجب تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة، والارتقاء بها إلى مستوى التحالف بين البلدين”.
وباختصار، ففي الوقت الذي أوضحت فيه نخب الشرق الأوسط أن المنطقة أنهكتها الصراعات، وأعربت عن تمنياتها بأن يجري الاهتمام بالبحث عن حلفاء، اعتبرت أن الربيع العربي أفضى إلى الفشل. ولقد حصلت تركيا هي الأخرى على نصيبها من هذا الفشل سواء من خلال ترجيحاتها في السياسة الخارجية أو معايير الاستبداد الذي طبقتها في الداخل.