بقلم: (ممتاز أرتركونه) الكاتب الصحفي في جريدة زمان التركية
يعاني الجميع في تركيا من التوتر في الوقت الراهن؛ إذ كانت أسهم المصارف قد انخفضت بنسبة تقترب من 5% إثر تغريدة نشرت على موقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت تويتر، الأمر الذي لا يبشر بأي خير، فالعواصف الشديدة التي بدأت تعصف بإدارة حكومة حزب العدالة والتنمية للتستر على فضيحة الفساد الأخيرة جلبت معها سحبًا سوداء هيمنت على الجو العام في تركيا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يعاني الجميع في تركيا من التوتر في الوقت الراهن؛ إذ كانت أسهم المصارف قد انخفضت بنسبة تقترب من 5% إثر تغريدة نشرت على موقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت تويتر، الأمر الذي لا يبشر بأي خير، فالعواصف الشديدة التي بدأت تعصف بإدارة حكومة حزب العدالة والتنمية للتستر على فضيحة الفساد الأخيرة جلبت معها سحبًا سوداء هيمنت على الجو العام في تركيا.[/box][/one_third]إن السياسة تعني دائمًا الاقتصاد المركَّز، وهذا موضوع يعاني الأشخاص الذين أسسوا حياتهم على أساس المثل العليا والتضحيات وكرّسوا أعمارهم لخدمة دعوتهم، يعانون في فهمه كثيرًا، فأنتم تحزنون على من يموتون، أما بائعو مستلزمات الجنازات فيفرحون لأنهم سيبيعون بضائعهم. وأول شيء يفكر فيه المقاولون الذين بنوا ناطحات السحاب، بينما تستخرَج جثث 10 عمال لقوا حتفهم إثر سقوط المصعد الذي كان يقلهم في أحد مشاريع ناطحات السحاب بإسطنبول، هو العبء المادي الذي سيضيفه هذا الحادث إلى تكاليف مشروعهم، صدقوني، الأمر كذلك، لأن هذا النوع من الحوادث يجلب معه المزيد من الرقابة، وبالتالي المزيد من النفقات، وكنا قد شهدنا قبل سنوات خلت إجبار سائقي السيارات على توفير أكياس لنقل الجثامين في حقيبة الإسعافات الأولية، وبعد فترة قصيرة ظهر أصل هذه القصة، وهي أن رجل أعمال يمتلك شركة لإنتاج هذا النوع من الأكياس استغل علاقاته السياسية لتأسيس سوق لترويج منتجات شركته.
إن السياسة مربحة جدًا، وعندما تبدأون بالخسارة، تبادرون إلى إنفاق ما كسبتموه سابقًا، وكانت حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة على مدار 13 عامًا قد خاضت حربها الأساسية لحصد القوة في المجال الاقتصادي، وقد أفسحت الأزمتان الاقتصاديتان اللتان تعرضت لهما تركيا عامي 2000 و2001 المجال أمام الحزب، الذي عندما حوّل الديناميكية والنمو الاقتصادي، اللذين مالا إلى رأس المال متوسط الحجم، إلى قوة سياسية، ظهرت أمامنا سلطة دائمة للحكومة. وكانت الوصاية العسكرية قد تمت تصفيتها لانهيار التحالف الذي عقدته مع رؤوس الأموال الكبيرة. وتذكروا كيف كان اعتراض الحزب على دعوى إغلاقه في المحكمة الدستورية، بقوله: “سينهار الاقتصاد” مؤثرًا في مجريات القضية.
إن مرحلة “الرجل الواحد” ،التي بدأت بعد عام 2011 كانت تعني جمع هذه السلطة الاقتصادية بين يدي شخص واحد، ولا توجد فئة من أصحاب رؤوس الأموال من الطبقة المحافظة، التي جعلتهم الحكومة يواجهون بعضهم البعض، من الصناعيين وأصحاب أعمال البناء اليوم، مقربة من أردوغان سوى فئة المقاولين، وكان أردوغان قد قطع علاقته مع أصحاب رؤوس أموال الطبقة المحافظة التي أوجدته في الحكم، كما شكّل نظامًا اقتصاديًا للسلطة من خلال قطاعي البناء والمصارف اللذين يقفان على أقدامهما بفضل إيرادات الدولة، غير أن التحقيقات في فضيحة الفساد الكبرى قلبت نظام القلّة هذا، المشكَّل تحت لواء الدولة، رأسًا على عقب فانهار النظام، والأسوأ من ذلك أن أجزاء النظام المتطايرة تحوّلت إلى أحمالٍ ثقيلة ضغطت على الاقتصاد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ن السحب السوداء التي تحلق فوق الاقتصاد التركي اليوم هي نتيجة نظام القلّة الاقتصادي والسياسي الذي شكله أردوغان اعتبارًا من عام 2011، ولا أريد أن يصدر أحد حكمًا مستعجلًا وخاطئا بشأن علي باباجان، حيث أن الموقف الذي اتخذه واستهدف قطاع المقاولات يثبت أنه خارج نظام القلّة هذا، وأنه يدعم الاقتصاد الحقيقي بكل كيانه، وربما يكون تدخله في القطاع المصرفي إنذارًا مبكرًا، فلم يفت الأوان بعد.[/box][/one_third]وإذا وضعتم المواقف التي يظهر بها نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية علي باباجان، من خلال الحسابات الدقيقة، في المكان الصحيح داخل هذه الفوضى، ستفهمون كل شيء بسهولة أكبر. كان أردوغان قد استغل الاقتصاد الذي جعله قويًا في تنظيف البقع التي تسببت فيها التحقيقات في قضية الفساد والرشوة، وكان إغراق” بنك آسيا” ،الذي يعد من أقوى المصارف في البلاد، يعني إغراق الاقتصاد عمدًا، ويقف وراء التكهنات التي يشهدها القطاع المصرفي في تركيا تلك الحملة التي يديرها أردوغان بقصد إغراق بنك آسيا، كما تفوه بذلك بنفسه.. من الممكن أن تسألوا “هل يمكن أن يكون مجنونًا لهذه الدرجة؟” ، من المؤكد أنه ليس بمجنون لكنه يظهر نفسه كالمجنون، ألم يبادر عند نشوب أية أزمة إلى التغاضي عنها ومحاولة تحميل الطرف الآخر مسؤولية البحث عن حل لها؟ أولم يظهر أنه ليس مجنونًا من خلال اضطراره لترك الاقتصاد في أيدي باباجان بعدما وقع في تناقض فاضح بخصوص بنك آسيا أمام الرأي العام؟
لقد انهار نظام القلّة، الذي أسسه أردوغان في قطاعي المقاولات والمصارف في المجال الاقتصادي، وهذا الانهيار كان لمصلحة اقتصاد البلد لأن هذا النظام كان يعمل ضد القطاع الحقيقي، غير أن أدروغان نجح في تحويل هذا الانهيار لصالحه من خلال التغاضي عن الأزمة في الانتخابات المحلية في مارس/ آذار ثم الرئاسية في أغسطس/ آب بتهديده باحتمال “انهيار الاقتصاد” ،واضطر المواطن إلى إعطاء صوته في الانتخابات لأردوغان لعدم وجود حيلة أخرى بيده لمنع هذه الأزمة، بالرغم من التحقيق في مزاعم الفساد، غير أن مياه ذلك البحر قد نفدت.
إن السحب السوداء التي تحلق فوق الاقتصاد التركي اليوم هي نتيجة نظام القلّة الاقتصادي والسياسي الذي شكله أردوغان اعتبارًا من عام 2011، ولا أريد أن يصدر أحد حكمًا مستعجلًا وخاطئا بشأن علي باباجان، حيث أن الموقف الذي اتخذه واستهدف قطاع المقاولات يثبت أنه خارج نظام القلّة هذا، وأنه يدعم الاقتصاد الحقيقي بكل كيانه، وربما يكون تدخله في القطاع المصرفي إنذارًا مبكرًا، فلم يفت الأوان بعد.