بولنت كوروجو
يُعتبر بولنت أرينتش أحد أبرز الشخصيات في التاريخ السياسي القريب في تركيا بموقفه من انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 وأدائه في المرحلة التي أنهت الحياة السياسية لسليمان ديميريل والدور الذي لعبه في تمهيد الظروف لظهور حزب العدالة والتنمية.
يمكن إطالة هذه القائمة أكثر. كما علينا ألا ننسى بأنه ترأس البرلمان في الدورة الأولى لحكومة العدالة والتنمية. فلو أن أرينتش تحدث عن مذكراته لكانت حدثا جللا. وبعدما أدلى به من تصريحات للصحفي طه أكيول ادعى البعض أن حياته السياسية قد انتهت، بيد أن سلوكه يثبت أن الحقيقة بخلاف ذلك. فلو كان أرينتش قد أفل نجمه وبات سياسيا لا مكانة له في المجتمع، لما كانت هناك حاجة لتهجمهم عليه بهذا الشكل.
فما الذي قاله بولنت أرينتش؟ قال ما معناه: “السياسة الخارجية لا تُبنى على الحماسة. ولابد من سياسة جديدة. وأضحى القضاء يعمل بالتهديد والابتزاز ناهيك عن سلسلة الأوامر والتعليمات. فقضية الصحفيين جان دوندار وأردم جول لا يمكن تبريرها قانونيا. وثمة كثير من انتهاكات الحقوق في القضايا التي رُفعت بذريعة الكيان الموازي، حتى إنني وددتُ أن أرتدي روب المحاماة مرة أخرى للدفاع في هذه القضايا”.
ولكن كلام أرينتش الذي كان السبب الأساسي في توجيه السهام إليه، هو ما قاله حول اتفاقية دولما بهشه مع الحركة السياسية الكردية. وقد تضاعف تأثير ذلك مع تصريحات حسين تشليك حين قال: “لقد أخبرنا رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ما يقلقنا حول نتائج مسيرة السلام”.
واجتمع الممثلون للحكومة والحزب والدولة في دولما بهشه الذي صورته وسائل الإعلام الموالي للعدالة والتنمية ووصفوها بالصورة النهائية لمسيرة السلام.
ولكن بعد أن قال الرئيس رجب طيب أردوغان: “أنا لا أقبل باجتماع دولما بهشه. فإن مكان الاتفاقية هو البرلمان”، نسوا كل ما حدث. علما بأن أرينتش الذي كان ناطقا باسم الحكومة آنذاك، قد صرح حينها بأن أردوغان على علم بكل تفاصيل مسيرة السلام. والآن يكرر نفس الكلام، ولكنه يترك أثرا أكبر بكثير مما كان في ذلك الوقت. لأنه يقول هذا الكلام بعد أن خسرنا قرابة 300 شهيد خلال 7 أشهر، ولا تزال هناك مواقع لم تستطع قوات الأمن الدخول إليها. وقد غدا الإرهاب أكبر مشكلة في البلد. فأفضل الجنود ووحدات الشرطة المدعومين بالدبابات يتعرضون لكل هذه الخسائر. فكيف تمكن العمال الكردستاني من تخزين كل هذا الكم الهائل من الأسلحة أثناء مسيرة السلام، حتى أصبح من الصعب القضاء عليه. ومن هم الذين أهملوا واجباتهم عندما كان التنظيم الإرهابي يخزن الأسلحة ويعيد تنظيم نفسه؟ أو من هم الذين تغاضوا عن هذه الخيانة؟
وقد أجاب أرينتش يوم أمس عن التساؤلات بتصريح مطول. وقبل أن نذكر ما قال أرينتش علينا أن نشدد على أن الإساءة التي تعرض لها أرينتش لم ترد من الصحفيين التقليديين من ذوي جذور الرؤية القومية. بل على العكس تماما فهم التزموا الصمت. فالذين أساءوا له هم من الصحفيين الجدد الذين وصفهم أرينتش بالشباب، والذين يُستخدمون كجنود مرتزقة. وإن أرينتش حين يرد عليهم هو في الحقيقة يرد على زعيمهم. فمن العبارات التي قالها أرينتش ملمحا بها إليه:
– “لقد تحدثت عن جزء يسير من الأحداث التي أعرفها على حقيقتها والتي كنتُ شاهدا عليها”.
– “يجب أن تنسوا بأن شجرة الدلب التي تحاولون قطعها تظلل كثيرا من الحقائق التي لم تر الشمس بعد”.
كما شدد أرينتش بوضوح على قوله: “ليس على دين لأحد، ولستُ مدينا لأحد في وجودي”. وكان تأكيده لما ذكره عن نفسه مهما حيث قال: “لم يذكرني أحد مع أية شبهة من الشبهات، ولم يرد اسمي في عمليات الرشوة والفساد”.
وأضاف: “لا تبنى أية قضية على الأسماء، بل تبنى على المبادئ والقيم… فإن بنيت القضية على الأسماء أو الأشخاص، فاعلموا أن الأسماء فانية، وليست معصومة من الخطأ”. ماذا عساه أن يقول أكثر من ذلك؟.