برلين (زمان التركية)ــ وجه الكاتب إرغون باباغان في مقال له بموقع (أحوال تركيا) انتقادًا لازعًا إلى حزب الشعب الجمهوري بعد إعلان قائمة مرشحيه للانتخابات المقبلة، معتبرًا أن إدارة الحزب مستمرة في تقزيم الحزب ودوره بسبب سوء اختيار المرشحين للمنافسة، لكنه في الوقت نفسه يرى أن مسألة من يترشح من “الشعب الجمهوري” ليست مهمة طالما أن النيل من حزب العدالة والتنمية الحاكم ومحاسبته يأتي على رأس أولويات أكبر أحزاب المعارضة.
وجاء في المقال: عندما أعلن حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض عن قائمة مرشحيه الذين سيخوض بهم الانتخابات البرلمانية المقبلة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بموجة غضب أرى أن من أثاروها على حق فيما ذهبوا إليه. فهناك الكثير من الأسماء التي أدى عدم إدراجها في قائمة الحزب إلى ردود فعل غاضبة كبيرة، وذلك مثل كل من إلهان جهان ار، وعلي شكر، وزينب آلطي أوق، وهالوق بكشن، وشنال ساروهان، وموسى جام، وأردين برجان، وحسني بوزكورت، ونجاتي يلماز، وباريش يارقاداش.
ليس هؤلاء فقط من لم يتم إدراجهم في قائمة مرشحي الحزب، بل هناك عشرون نائبًا مقربون من المرشح الرئاسي للحزب، محرم إينجه، تم استئصال شأفتهم من الترشح تمامًا.
أما أكثر الأسماء التي انصدم الجميع لما رآها مدرجة في قائمة المرشحين، فهو دنيز بايكال رئيس الحزب السابق. إنه دنيز بايكال الذي يبلغ من العمر 80 عامًا، والذي خاض في وقت سابق رحلة علاج في ألمانيا، وحينما أعادوه من هنالك في شهر أبريل الماضي، بعد أن يئسوا من علاجه هناك، قال نجله الدكتور “أيتاج بايكال” في تصريحات صحفية “عاد أبي من ألمانيا حطامًا”.
فكما تعلمون فإن دنيز بايكال بعد نزيف المخ الذي تعرض له مؤخرًا، يخضع باستمرار للعناية الطبية بالمستشفى، ومن غير المعروف إذا كانت لديه القدرة على الكلام أم لا؛ لكن ما الحكمة في أن يخصص له المركز الأول بين المرشحين في قائمة الحزب عن ولاية أنطاليا.
هذا هو الجزء الكوميدي والتراجيدي في ذات الوقت بقائمة مرشحي حزب الشعب الجمهوري.
وأنا أعتقد أن دنيز بايكال الذي هرول إلى القصر الرئاسي بعد انتخابات 7 يونيو 2015 ، ولم يكل أو يمل من ترديد عبارة “سيدي الرئيس”، ما تم إدراجه في قائمة مرشحي الشعب الجمهوري، إلا لولائه لـ”النظام الرئاسي”، ولـ”بقاء الدولة”.
ولا غرو أن حرمان هذه القائمة من الأسماء التي تمارس المعارضة بشكل فعال، وتساعد الشعب الجمهوري على التزام وقوفه في اليسار، أمر يتوائم ويتناسب مع انزياح الحزب تجاه اليمين، ذلك الانزياح الذي بدأ يظهر بتولي كمال كليتشدار أوغلو رئاسة الحزب.
وحقيقة الأمر أن حزب الشعب الجمهوري، تخلى منذ زمن عن زعمه بأنه حزب ديمقراطي اشتراكي، فهو لم يكن هكذا مطلقًا.
فهذا الحزب رغم ما يدّعيه، كثيرًا ما اتخذ مواقفَ متطرفة بنفس قدر مواقف حزب العدالة والتنمية، سواء كان ذلك في البرلمان الأوروبي، أو بخصوص القضية الكردية أو أزمة بحر “إيجه” مع اليونان.
ولذلك يمكننا التأكيد على أن قائمة مرشحي حزب الشعب الجمهوري، تعني إلغاء زعم ذلك الحزب أنه يعمل بمبدأ الديمقراطية الاشتراكية.
كما أن هذا الأمر يمكن تفسيره على أن الكادر القائم على إدارة الحزب، والعاجز عن مواكبة العصر، مستمر وبنجاح في السير على خطى تقزيم الحزب ودوره.
وبذلك يمكننا القول إن الحزب سيستمر على نفس منواله وأسلوبه الذي يجعله في كل انتخابات يأخذ 20 في المئة فحسب ما يجعله بعيدًا كل البعد عن أن يكون الحزب الحاكم في يوم من الأيام.
ليس هذا فحسب، بل من الممكن أن تصبح هذه النسبة أقل من ذلك بكثير بعد عدد من الاستحقاقات الانتخابية، وحتمًا سيحل بالشعب الجمهوري نفس المصير الذي حل بكل من حزبي “الوطن الأم” و”الطريق القويم”.
وهذا الحزب الذي بات محكومًا عليه أن يبقى على شريط الساحل، سيواصل ذوبانه ما لم يُلبِّ متطلبات الكتل العريضة هنا.
ومن الجدير بالذكر أن حزب الشعوب الديمقراطي، هو الحزب المرشح لملء الفراغ الذي تسبب فيه غياب حزب الشعب الجمهوري.
فالشعوب الديمقراطي حزب مدرك تمامًا لهويته ومكانته.
والشعوب الديمقراطي منطلق في طريقه كحزب يساري يفتح ذراعيه لاحتضان قطاعات عريضة من أنصار البيئة الأكراد، ومن النساء إلى المثليين، ومن المسلمين الصادقين إلى الملحدين.
وإذا عدنا لحزب الشعب الجمهوري مرة ثانية، نستطيع أن نقول إن الانتخابات المقبلة، والمقرر لها في 24 من شهر يونيو القادم، ليست انتخابات تهم فيها مسألة من يترشح أو يُنتخب من ذلك الحزب.
فهذه الانتخابات، هي انتخابات العودة إلى المعقول…
وبعبارة أخرى هي انتخابات الرجل الواحد، وانتخابات كسر البناء الفاشي الذي أوجده ذلك الرجل.
لكن الأهم من مسألة الأسماء في قائمة حزب الشعب الجمهوري، هو مسألة الأداء والمردود المنتظر من المرشحين. فلا شك أن من بين الأسماء المطروحة أشخاص لديهم القدرة على إقناع الناخبين، وبالتالي الحصول على أصواتهم في الانتخابات المقبلة، لديهم القدرة لكنها لم تستخدم جيدًا.
لكن اليوم هو يوم النيل من حزب العدالة والتنمية الحاكم واستجوابه، وليس حزب الشعب الجمهوري.
وحقًا هناك فرصة سانحة أمام تركيا حتى يتسنّى لها التخلص من الفاشية، ومن الخطأ أن نقف عند قائمة مرشحي الشعب الجمهوري ونجادل بشأنها بهذا الشكل، ما يدفعنا لتضييع الوقت دون تحقيق إنجاز يذكر.
من يتعين محاسبتهم في المقام الأول هم رجب طيب أردوغان، ودولته باهجة لي زعيم حزب الحركة القومية.
وتعتبر الانتخابات المقبلة أول انتخابات خلال العهد الجديد لتركيا. ولا شك أن الوضع الذي يعانيه الاقتصاد في البلاد، سيجعل الانتخابات المتلاحقة في تركيا أمرًا حتميًا لا مفر منه.
أما الحقيقة الأخرى التي يتعين علينا وضعها نصب أعيننا، هي أن النظام الرئاسي يجب أن يكون دائمًا.
ولا تنسوا أن تركيا دولة لم تشهد تغيير الدستور، ولا قانون الأحزاب السياسية، وقانون التعليم العالي، وكلها قوانين من نتاجات انقلاب 12 سبتمبر 1980.
وأنا أؤمن بأننا مقبلين على فترة تقتضي مناقشة النظام الرئاسي، والفيدرالية الديمقراطية من خلال تعزيز الإدارات الإقليمية.
لكن كما قلت الأولوية الآن تتمثل في إبعاد حزب العدالة والتنمية وإقصائه. فهذا الحزب حتمًا سيسقط ويبتعد عن السلطة لا سيما أنه بات بناءً أشبه ما يكون بمؤسسة للنهب والسلب، وبرحيله ستنفتح أمام تركيا مرحلة جديدة للغاية.
تركيا تنتظرها مرحلة ترميم ستشهد الإعلان عن وفاة ما يسمى بالإسلام السياسي. لذلك علينا أن نصب كل طاقتنا في هذه الأيام للنيل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لا المعارضة التي يجب أن تصطف أمامه.