برلين (زمان التركية)ـ يؤكد تاريخ تركيا الحديث أن الساحة السياسية في الجمهورية التركية ماهي إلا ساحة للمعارك، حيث اتبعت السلطة التركية خلال ما يقرب من مائة عام نمط صراع السلطة التي تحاول فيه جماعة ما قمع الآخرين، وقد يكون ذلك حتى للقضاء عليهم سياسيًا.
كتب الكاتب الصحفي المعروف “ياوز بيدر” مقالاً نشره موقع “أحوال تركية” تحت عنوان “المجتمع التركي الحر يدخل تابوتاً سيختفي فيه” ويتناول فيه طبيعة الحياة السياسية في الدولة التركية الحديثة الخالية من المنافسة الديمقراطية والتي عانى منها المجتمع والمعارضة خلال عقود متتالية.
وإختص بالحديث السنوات الخمس الأخيرة، التي تجلي فيها إختطاف السلطة على نطاق واسع، من خلال استُخدام النظام الحاكم آليات القوى كالقانون والقضاء لقمع بعض الجماعات التي اعتُبرت عدواً له في الداخل .
وأشار الي الجماعتان اللتان تتعرضان لهجوم وحشي من قبل النظام، وهما الأكراد وحركة غولن -حركة الخدمة-، حيث يشكل الأكراد نحو 18 بالمئة من سكان تركيا، ويؤيدون إلى حد كبير حزب الشعوب الديمقراطي، أما أنصار غولن فهم أتباع فصيل ديني يُعتقد أنه يضم نحو ثلاثة ملايين فرد.
ويري ياووز أن النظام التركي نجح في إقناع باقي قطاعات المجتمع في تقبل فكرة سحق تلك الجماعات التي تُعتَبَر معادية في داخل المجتمع، إذا ما أراد النظام أن يفعل ذلك، وهذه هي الطريقة التي كانت تُمارس بها سياسات السلطة طوال المئة عام الماضية؛ والأحداث الجارية هي مجرد تكرار لهذا النمط.
ومن ناحية أخري خطط نظام أردوغان لاستخدام بعض الجماعات من الإصلاحيين والليبراليين لضمان عضوية الإتحاد الأوربي وذلك من خلال تشجيعهم علي الإرتباط بمشروعات المجتمع المدني المدعوم من قبل الاتحاد الأوربي.
وتشير البيانات، إلى أن الاتحاد الأوروبي منح النشطاء الأتراك 105.3 مليون دولار لمشروعات مجتمع مدني بلغ عددها ألفا و18 مشروعاً منذ عام 2002.
ولفت الكاتب المعروف أن آمال تركيا في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي قد تبددت في منتصف عام 2013؛ بسبب القمع الوحشي لاحتجاجات حديقة غيزي، والذي يصفه المراقبوان بأنه فشل ذريع للحكومة التركية في أول اختبار حقيقي للديمقراطية في تركيا ومنذ تلك اللحظة، ظلت تركيا تتهاوى فيما يتعلق بالمعايير الديمقراطية حيث تقلصت عضوية المنظمات التركية التي تدافع عن الحقوق من 200 ألفاً و96 في عام 2015، إلى 50 ألفاً و598 في عام 2016، وذلك وسط إتباع الحكومة التركية سياسات تعسفية ضد معارضيها وإستمرارها في سجن الصحفيين والأكادميين علاوة علي فصل عشرات الآلاف من أعمالهم دون تهم حقيقية .
ويجد ياووز أن سياسات أردوغان مع المجتمع المدني تجعل منه نموذجًا مستنسخًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن فيما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني الممولة من الغرب.
فالرئيس التركي إستخدم إعلامه الموالي بشكل واضح لحكومة حزب العدالة والتنمية لإستهداف مؤسسات حقوقية، مثل مؤسسة فريدريش ناومان الليبرالية.
ومن بين مؤسسات المجتمع المدني القليلة المتبقية في تركيا التي ما زالت في مرمى النيران، مؤسسة هرانت دينك ومنصة الصحافة المستقلة (بي.24).
و يعتقد الصحفي الكبير ياووز بيدر أن لائحة الاتهام الخاصة باحتجاجات متنزه غيزي والتي تدين أكثر من 120 شخصية عامة وبارزة في المجتمع المدني، تشير الي إحتمالية أن يكون النظام يخطط لمزيد من الإجراءات ضد أهداف أخرى في المجتمع المدني.
أي أن المجتمع التركي الحر يدخل تابوتاً سيختفي فيه .