أرجون باباهان
إن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي بات يبحث عن الأعداء في كل مكان بعد عمليات الرشوة والفساد 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، ويبتعد عن الواقع؛ أصبح متجذرا في أسس الأزمات التي نعيشها.
فأردوغان الذي جمع حوله الأشخاص الذين يريدهم فقط، والذي أصبح لا يقرأ سوى مدائح الإعلام الموالي له؛ لم يعد قادرا على تحليل التطورات في تركيا والمنطقة والعالم.
وإن انقطاعه عن الواقع يجر تركيا نحو مصير مجهول. فالذين ظنوا بأنهم سيؤسسون الدبلوماسية على صداقاتهم الشخصية بدلا عن مبادئ ومصالح الدولة، لا يجرؤون اليوم على مواجهة الحقيقة الجلية.
كما أن أحلام الحكومة في تركيا بتشكيل قوة سنية في المنطقة، أدى إلى زعزعة العلاقات مع روسيا أولا، ثم مع أمريكا.
فالعلاقة بين تركيا وأمريكا أشبه بعلاقة زوجين وصلا إلى عتبة الطلاق، ولكنهما يستمران في زواجهما من أجل أطفالهما. فحين يكبر الأطفال ويدخلون الجامعة ستنتهي العلاقة بينهما رسميا.
علما بأن الإدارة الأمريكية تؤسس لنفسها قاعدة جوية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد بشمال سوريا. طبعا لا يمكن مقارنتها بقاعدة إنجيرليك التي تمتاز بالبنية التحتية، وأجهزة المخابرات، والأسلحة ذات الرؤوس النووية. ولكن من المؤكد أن هذه القاعدة مشروع استثمار للمستقبل.ة
وحين أبدت أنقرة عدم رغبتها في فتح قاعدة إنجيرليك، ورد هذا الموضوع في جدول الأعمال في أمريكا، وقد نشرت صحيفة “وول ستريت” مقترحا بنقل القاعدة إلى كردستان العراق. ويبدو الآن أنهم يفضلون سوريا في هذا الصدد.
فالقاعدة التي ستُنشأ في الشمال السوري ستكون بديلا لقاعدة إنجيرليك، كما ستكون مؤشرا على تعهد واشنطن للاكراد.
إذ إن الغرب بحاجة إلى حليف علماني في المنطقة أيا كان النظام الذي سيحكم سوريا.
وذلك لأن تركيا في ظل أردوغان فقدت هذه الميزة. فتركيا التي ابتعدت عن العلمانية والقانون والديمقراطية في ظل حكم أردوغان، فقدت ميزة كونها شريكا موثوقا بالنسبة للغرب.
كما أن احتمال ظهور كتلة معارضة لأردوغان داخل العدالة والتنمية، أمرٌ شبه مستحيل، بسبب سيطرة أردوغان على أعضاء الحزب من خلال منحه إياهم صلاحيات واسعة النطاق. فكل من يجهر بصوته المعارض، يُتّهمون فورا بأنهم ينتمون إلى الكيان الموازي، أو أنهم أكراد عنصريون، للإساءة إلى سمعتهم.
إذن فعقلية هذا الحكم الفردي المنفصل عن الواقع، يجر تركيا نحو عصر مظلم جديد من خلال إلغاء الفكر الانتقادي والمحَقّق.
وثمة تشديد على أنه ستُرفع الدعاوي القضائية حتى على أدنى انتقاد، وأنه لا مكان لمعارضة القصر.
وقد رأينا كيف سُجن محامون بتهمة الإساءة لأردوغان، بسبب أداء مهامهم في المحاكم.
ولا تأبهوا بادعاءات أن “تركيا دولة قوية”. فلا يمكن لدولة ذات قوة اقتصادية محدودة، أن تتحمل كل هذه العزلة الدولية.
فكما لا يمكن لأموال السعودية أن تحقق مآربكم، كذلك لا يمكن للجيش السعودي أن يسد احتياجاتكم الأمنية.
وثمة قوتان حقيقيتان تحققان ربط تركيا بالمجتمع الدولي: وهما حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. ولكن أنقرة اليوم على وشك أن تخسر هاتين القوتين.
كما أن الانجرار نحو مستنقع يناقض تماما الفلسفة التي تأسس عليها الحزب، سيكلف الكثير.